Friday, January 29, 2010

بيروقراطية الإدارة

بدون سابق إنذار قررت الشركة المصرية للإتصالات – مثلما فعلت كثيرا من قبل – أن تجعل نظام التحصيل شهريا بدلا من كل ثلاثة شهور ، وأن يقتصر ذلك على كل أصحاب التليفونات المشتركة فى خدمة التليفون الدولى ، أى أنها تعاقب شريحة هامة من عملاءها ممن يستعملون التليفون الأرضى فى تعاملاتهم الخارجية سواء لتسيير أعمالهم أو للاتصال بذويهم فى الخارج .. وطبعا لن يحاسب أحد الشركة على قرارها الفجائى الذى يترتب عليه كثيرا من المشاكل سواء فى وصول الفواتير لعناوين المشتركين شهريا ، أو لسداد تلك الفواتير وضياع المزيد من الوقت فى سبيل ذلك .. من الناحية القانونية الشركة لديها كل الحق فى ظل "عقود الإذعان" التى يوقعها طالبوا الخدمة والتى لاتضمن لهم أى حقوق قبل الشركة سواء انتظمت الخدمة أم ساءت ، وليس هناك مايلزم الشركة أن تستطلع رأى العملاء فى النظام الذى يناسبهم أو تغيير سياستها أو حتى فى سعر الخدمة فهم الطرف الأضعف فى معادلة العلاقة بينهم وبين الشركة التى تقدم الخدمة وتحتاج إليهم ولكنها تتعامل معهم بأسلوب فرض الواقع الذى يناسبها .

وعلى الرغم من أن تحسنا كبيرا قد طرأ على انتظام الخدمة وعلى سرعة الإستجابة لشكاوى العملاء ، وإدخال عدد من الخدمات الجديدة لمواكبة احتياجاتهم إلا أن البيروقراطية لازالت تضغى على الرغبة فى التطوير وملاحقة ديناميكيات السوق لدى الشركة .. وآخر تلك المظاهر أن الشركة بدأت فى إرسال خطابات مسجلة لعملائها الذين سوف يخضعون للنظام الجديد بغض النظر عن موافقتهم من عدمه تخطرهم فيه بقرارها – وليس رأيهم فى تغيير النظام – وتطالبهم بفروق غريبة لايمكن إلا أن نعجب ممن وجد فى نفسه الشجاعة لكى يوقع تلك الخطابات ويقر إرسالها بالبريد المسجل .. لدى مثلا – وقد تأكدت من حالات مشابهة كثيرة لأصدقاء وأقرباء ومعارف – خمسة فواتير لمكتبى ومنزلى تطالبنى الهيئة فيها بمبالغ أكبرها أربعة جنيها وأربعون قرشا وأقلها جنيه وخمسة قروش .

ويستطيع القارئ أن يخمن مدى غيظى وفوران دمى حين أجدنى مدفوعا بحكم التخصص أن أحسب كم تكلف كل خطاب من الخطابات الخمسة مابين فاتورة مطبوعة بتفاصيل المطالبة التى وضعت تحت بندى "استهلاك وضريبة مبيعات" والخطاب المرافق للفاتورة للإخطار بالنظام الجديد وظرف الخطاب وطابع البريد ومشغل الكمبيوتر الذى قام بطباعة الخطاب والفاتورة وراتب ساعى البريد الذى أوصل الخطاب ومن قام بختم الخطاب وحصل على توقيع العميل عند الإستلام .. وطبيعى ألا يحتاج أحد إلى ذكاء خاص لكى يسأل سؤالا بديهيا يعجب المرء كيف غاب عن بال من أجاز كل تلك العملية التى على مايبدو أنه أراد أن يشغل بها عمالة زائدة تعانى منها الشركة .. السؤال المنطقى هو : لماذا لم تقم الهيئة بإضافة تلك المبالغ التافهة على الفواتير التالية للعملاء وجميعهم كما بينا يمثلون شريحة خاصة تستخدم الخطوط الدولية فى تعاملاتها؟

كنت قد حذرت الشركة فى ندوة لجمعية مهندسيها منذ أكثر من ثمانى سنوات أن تستعد للتنافس مع شركات المحمول الموجودة على الساحة وقتها ، وتنبأت بزيادة هذه الشركات ، وأن هذه الشركات سوف تحصل على جزء كبير من نصيبها فى سوق الإتصالات .. واليوم لدينا ثلاث شركات للمحمول يصل عدد عملائهم 55 مليونا بعد أن تضاءلت التكلفة بين التليفون الأرضى والمحمول إلى حد يجعل المحمول يتفوق من حيث ملاءمته ووجاهته ووفائه بكافة احتياجات العملاء .. شركة الإتصالات نزلت بأسعارها إلى الحد الأدنى وألغت مصاريف تركيب أى تليفون جديد لكى تزيد من قدرتها التنافسية وتحافظ على الإثنى عشر مليونا من المشتركين الذين تأمل فى زيادتهم .. وهنا يزيد العجب من قرار الشركة الأخير بتحمل مصاريف إدارية تبلغ أضعاف القروش القليلة التى تطالب بها عملاءها والذى قد يغرى كثيرا منهم على إلغاء خطوطهم الدولية والإكتفاء بتليفوناتهم المحمولة .. قاتل الله البيروقراطية وتأثيرها على قطاع خدمى حكومى كنا نحلم بأن يخرج من الدائرة الجهنمية للتخلف ..!

No comments: