Friday, January 29, 2010

القيمة المضافة للإنسان فى المجتمعات التى تقدمت

علماء الفيزياء يتحدثون هذه الأيام عن " تجميع الذرة " بدلا من تفتيتها لتوليد طاقة تفوق ملايين المرات مانعرفه ووقر فى أذهاننا عن حجم الطاقة التى تتولد من جراء ذلك على عكس كل المفاهيم القديمه ، وأظن أنه قد آن الأوان لكى نفكر بنفس الطريقة هنا فى مصر فيما يختص بجودة الإنسان المصرى .. لو فكرنا فى "تجميع " طاقات الناس بدلا من "تشتيتها" فربما كان هناك أمل فى مستقبل أفضل .. أقول ذلك لأنه كلما زاد احتكاكى بفئات مختلفة من الناس كلما ازددت يقينا بأن لدينا ثروة بشرية هائلة أهملناها لفترة طالت فأصبحت عبئا يؤرق الحكومات وقنابل موقوته تنذر بالإنفجار وتتطاير شظاياها فى وجوهنا جميعا .. أهملنا مالدينا من رأس مال بشرى لانستثمره ولانحوله إلى طاقة عملاقة جبارة تحولنا إلى دولة عظمى من حقها بكل تاريخها أن تصبح كذلك .. أصبح الناس لدينا مثل قش الأرز نتفنن فى التخلص منه ونحمله النصيب الأكبر من التلوث البيئى دون أن نفكر – مجرد تفكير – فى كيفية الإستفادة منه لتخصيب الأرض أو لتصنيع طوب نحتاجه لكون سقفا لمن لايجد مأوى أو لتصنيع بعض مايحتاجه الناس ويتناسب مع مواردهم المحدودة.. رأس المال يحتاج إلى استثمار وإلا تناقصت قيمته واللهفة على الاحتفاظ به مثلما حدث لودائع البنوك من الدولارات التى لاتزال الفائدة التى تمنح على ودائعه صفرا وتكاد البنوك أن تستدعى أصحاب تلك الودائع ليسحبوا ودائعهم وتخلصهم من عبء إداراتها حتى لو كان ذلك دون مقابل.
دولتان مثل الصين( مليار و 380 مليون نسمة) والهند (مليار و 197 مليون نسمة) أيقنتا قيمة تحويل رأسمالهما البشرى إلى طاقة هائلة تتجمع وتتحد لكى تنطلق فى اتجاه تحقيق التنمية .. طاقات تحول المصانع إلى كيانات عملاقة منتجة ، والبيوت إلى وحدات إنتاجية صغيرة كل من فى المنزل يسهم بجهده فى صنع شيئ أو أداء خدمة يحتاجها الناس ويدفعون ثمنها .. استطاعت الدولتنان أن تقضيا على البطالة دون إضاعة الوقت فى الشكوى من كثرة الناس ، وحين تشبعت الأسواق المحلية بمنتجاتهم الرخيصة ساحوا فى الأرض يفتحون اسواقا جديدة سصدرون إليها إنتاجهما .. لم تقتصر تلك الأسواق على الدول النامية فقط بل تجاوزت ذلك إلى الدول ذات الإقتصاد العملاق مثل الولايات المتحدة التى تستورد ولاية واحدة فقط بالهند هى " بنجالور" مايوازى 80% من إنتاج تلك الولاية وحدها من قطع غيار الكمبيوتر والرقائق الإلكترونية والبرامج المختلفة.
أنظر إلى ماصرنا إليه وأتحسر كما قلت حين أتعامل مع شرائح مختلفة من الناس من أول بسطاء الناس من خلال العمل التطوعى ، أو أساتذة الجامعات من خلال الأدوار المختلفة التى أؤديها داخل منظومة التعليم لعالى .. أرى الناس وقد أصابهم الإحباط فى مقتل ، تسلل إلى عقولهم وقلوبهم يمتص منها على مهل ماتبقى من طاقة تصلح ضوءا خافتا ينير حتى مواقع أقدامهم .. ضاعت القدرة ومعها الإرادة فتوقف الطموح عند توفير الحد الأدنى من الاحتياجات ، ووهن العزم على بذل أى جهد مطلوب للإرتقاء بتلك الإحتياجات .. فقد الناس الرغبة فى تعلم أى شيئ جديد أو المساهمة برأى أو فكر لتحسين وضع ، وانعكس الإحباط على سلوك الناس وخطواتهم فتباطأت الحركة ووصلت للمرحلة التى تسبق التوقف عن فعل أى شيئ أو بذل الحد الأدنى فقط للحصول على مصلحة خاصة .. وتزداد المأساة وتتعقد بين طبقة المتعلمين والمثقفين والمفروض فيهم أن يكونوا قاطرة التطوير والتنمية فتراهم يفضلون موقف المتفرج عما يدور حولهم والعزوف عن المشاركة ، وتزداد مقاومتهم حين يتطلب الأمر تكليفهم بعمل ما فيسارعون بالهروب من المسئولية والتنصل من تبعاتها.
أصبح الناس جزرا منعزلة يعيش كل منهم فى عالمه الخاص ، ومن ثم تصبح مهمة "تجميعنا" مهمة غاية فى الصعوبة إن لم تكن مستحيلة .. فى مصر أراض شاسعة لم تستغل ، ولازلنا نعيش على 6% فقط من مساحة الوطن ، وفى مصر ثروات طبيعية هائلة لو تحولت إلى صناعات لخلقت ملايين فرص العمل فى القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية المختلفة .. حكوماتنا المتعاقة مسئولة عما آل إليه أمر الناس فى مصر من غياب الديموقراطية لعقود طويلة حتى فقد الناس الأمل فى أن يكون لهم رأى فى أمور حياتهم .. المشكلة إذن ليست فى الموارد ولكن فى العقول التى تخطط وتدير يحكمها توجهات سياسية جامدة تختزل الوطن فى حزب واحد أعضاؤه أولى بالرعاية طالما أنهم يقبلون تزوير إرادتهم واستخدامهم غطاء يضفى الشرعية على مايصدر من قوانين ومايتخذ من إجراءات.

No comments: