لم أصدق عينى وأنا أقرأ المنشور
على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضى .. رئيس الحكومة يعلن أنه
سيتم اتخاذ إجراءات فورية تلتزم بها محافظتى القاهرة والجيزة تحت إشراف السادة
المحافظين شخصيا بعملية نظافة شاملة تظهر نتيجتها خلال 72 ساعة بالإمكانيات
الذاتية لكل محافظة ، على أن يقوم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برصد التقدم
فى عملية نظافة وتطهير الشوارع والمحاور الرئيسية ورفع تقرير بذلك لرئيس الوزراء..
خبر كوميدى يستدر الضحك والبكاء على ماصرنا إليه .. رئيس الوزراء يحاول أن يجد
عملا للمركز الذى نبهنا مرارا وبالمستندات التى نقلتها عن "الوفد" أكثر
من صحيفة إلى مظاهر الفساد به والذى كان ذراعا "للحزب اللاوطنى" فى
تضليل الرأى العام والتمهيد للتوريث وتلميع حكومات عهد مبارك، والذى يعمل به
مايقرب من 600 موظف نصفهم عمالة مؤقتة اشتكوا لطوب الأرض يطلبون التثبيت لاسيما
وأنهم من يقوم بالعمل الحقيقى بالمركز بينما يعيش على جهدهم باقى قوة العمل من
استشاريين بالعشرات تتراوح رواتبهم مابين 15-30 ألف جنيه لكل واحد
شهريا، وباقى الموظفين من
المحظوظين أبناء المسئولين الذين عينهم رئيس المركز السابق بمرتبات مجزية ومزايا
لايحلمون بها ترضية لذويهم وإبقاء على منصبه الذى تسلل من خلاله إلى تقلد منصب
وزارى خرج منه بعد أن اقتنع رئيس الحكومة بأنه كان قياديا فى حزب الفساد الذى سقط
.. وبدلا من إعادة هيكلة المركز لكى يستغنى عن أصحاب الدخول المنتفخة ممن يجلسون
بلا عمل ويستوعب العمالة الفنية الحقيقية المنتجة أصبح متابعة رفع القمامة ضمن
اختصاصات المركز.
لم يقل لنا رئيس الوزراء كيف
سيمارس المركز دوره المكلف به .. هل المقصود إنتاج إحصاءات تافهة
"مضروبة" مثلما كان يفعل فى الماضى تجميلا لوجه النظام تقول أن كل شوارع
القاهرة والجيزة نظيفة "وزى الفل" ومغسولة بالشامبو، وأن شكاوى الناس
المفترية من أهل المحروسة بتحويل شوارع القاهرة الكبرى إلى مقلب كبير للزبالة
مبالغ فيها؟ أم أنه سيقوم بوزن الزبالة المرفوعة ومطابقتها بالفعلى حتى لايحدث
تلاعب أو خداع فى حجم العمل باعتبار أن المركز مدرب على مثل هذا الألاعيب بحكم
معايشته للنظام الفاسد السابق؟ وهل سيقوم أخصائيو المركز بتتبع عربات رفع القمامة
إلى المقالب والتأكد من التخلص منها بطريقة آمنة تقلل من التلوث البيئى الذى فاق
كل تصور وأحاط بعاصمة مصر يوزع الأمراض ويرفع فاتورة العلاج ومعها عدد الضحايا
والأموات ؟ هل هناك نيه لتغيير إسم المركز إلى "مركز معلومات زبالة مصر"
وإذا كانت الإمكانات الذاتية لمحافظتى القاهرة والجيزة تكفيان لرفع أطنان الزبالة
من الشوارع فلماذا الملايين التى تصرف على شركات النظافة الأجنبية التى تلحق فقراء
المصريين للعمل بها وتحولهم رسميا إلى متسولين بزى ومقشة يقفون على النواصى وتلتقط
لهم الصور بجوار أكوام الزبالة التى يبتزون بها الناس حتى يدفعوا لهم إذا أرادوا
أن يزيلوها؟
ياسيادة رئيس الوزراء .. طالبتك فى
مقال سابق أن تدخل من الباب الفاصل بين مكتبك وبين مركز المعلومات التابع للمجلس
الذى ترأسه لكى تكتشف بنفسك حجم الفساد وصدق كل كلمة قلناها، وحذرت حين وقع
اختيارك لرئيس المركز السابق وزيرا فى حكومتك إلى أن قررت تحت ضغط مطالب الثوار أن
تستغنى عنه مع من خرجوا فى التعديل الوزارى الأخير من أتباع وذيول النظام السابق
واستبداله برئيس جديد للمركز كل همه أن يحافظ على وظيفته ويسلم رقبته لنفس
المجموعة التى أحاطت برئيس المركز السابق بل ويمنحهم الترقيات لكى يستمروا فى أداء
نفس الأدوار التى كانوا يقومون بها من قبل .. واليوم أقول لك : لو أنك – بدلا من
هذا البيان الهزيل الذى ظهر على صفحتكم – ارسلت نداء لثوار 25 يناير لتنظيف بلدهم
لتدافع المتطوعون منهم لاليراقبوا رفع القمامة فحسب وإنما ليقضوا عليها ويزيلونها
من الشوارع بأنفسهم لأنهم لايقبلون أبدا على مصر التى ضحوا بدمائهم من أجلها ولم
يتركوا ورقة على أرض ميدان التحرير عقب كل مليونية تشوه الميدان أو الشوارع
المحيطة به .. ولعلك لازلت تذكر صورة الثائر المصرى القعيد وهو يشترك على كرسى
متحرك فى تنظيف ميدان التحرير.
أرجو ألا تراهن ياسيدى على أن
الناس فى مصر ينسون بعد حين ، وأن مطالبهم بتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين
والمفسدين ممن أكلوا حتى التخمة على موائد الفساد لعقود طويلة قد وهنت وضعفت
فلايزال ذلك مطلبا شعبيا ضمن مطالب الثورة التى تعجز حكومتك عن تلبيتها بالسرعة
والأولويات التى تفرضها الظروف.. فساد المحليات ياسيدى يتجاوز بكثير تحويل مصر إلى
مزبلة كبيرة ، وأدعوك لزيارة حى مثل المعادى تحولت شوارعه إلى "مدقات"
بعد أن هجم تتار المحليات ومقاولوهم قبل رمضان على كل الشوارع الرئيسية يحفرونها
ويحولونها إلى أكوام من التراب والحجارة دون إبداء الأسباب ، ويرصعون جدران
المبانى بأكوام الزبالة ومخلفات الحفر بما فى ذلك مستشفى القوات المسلحة نفسه ..
كلما احتاج المقاولون ومن يشرفون عليهم إلى قرشين شرعوا فى هدم مابنوه وسفلته ماتم
سفلتته وتعلية الأرصفة بأرتال من البلاط ترص إلى جانب بعضها البعض دون تثبيت لزوم
إعادة الرصف.. من يطهر الشوارع لابد وأن يكون طاهرا .. مش كده وإلا إيه؟!
No comments:
Post a Comment