Monday, September 19, 2011

الكم والكيف .. وقيمة الأحزاب


واضح أن معظم الأحزاب تسعى لزيادة عدد اعضائها ويرون فى ذلك دليلا قويا على شعبية الحزب. لذلك نرى كل اساليب الترغيب لكى تتضاعف أرقام العضوية ويتباهى الحزب بالقاعدة التى يبنى عليها وجوده .. الخطورة فى ذلك أن كل من ينضم إلى حزب لايكون بالضرورة مؤمنا بمبادئه وثوابته التى تقوم عليها نشاطاته وسعيه للوصول إلى الحكم لكى يطبقها. مبادئ الحزب هى الدستور الذى يحكم توجهاته ويعتبر الخروج عليها خرقا للدستور يستوجب الفزع والحساب باعتباره جريمة حزبية كبرى تهدد مصداقيته، ولكننا إذا سألنا أى عضو جديد ينضم إلى الحزب عن تلك المبادئ لفوجئنا بأنه لايحفظها عن ظهر قلب وإذا كان لايحفظها فقد لايعمل بها ويجعلها الأساس الذى يحكم سلوكه الحزبى .. والحزب فى ذلك مثله مثل أى مؤسسة يجتهد مديروها التنفيذيون فى وضع اللافتات على جدرات المؤسسة لتغطى كل ركن فيها تحمل رؤية ورسالة المؤسسة ولكنهم هم أنفسهم يرسبون فى أول اختبار يطلب منهم ترديد تلك الشعارات أو شرح معناها .. مارست ذلك مع طلابى الذين يمثلون الصفوة فى مؤسسات الأعمال  وفى العديد من الدورات التدريبية لمثلهم من القيادات التى أسهمت فى تدريبها على علوم وفنون الإدارة وتنمية الموارد البشرية .. وحتى يصدقنى القارئ تعالوا نجرى تجربة بسيطة على عينة ممن ينضمون إلى الأحزاب والمفترض فيهم أنهم فعلوا ذلك إيمانا بمبادئ وبرنامج  تلك الأحزاب فنسألهم: هل أتيح لهم فرصة قراءة المطبوعات الفاخرة للحزب والتى تتضمن برنامجه، وهل ناقشهم أحد فيها قبل التصديق على عضويتهم والتأكد من استيعابهم لها؟ وفى المقابل دعونا نسأل الأحزاب عن الوسائل التى تتبعها – إن وجدت - للتأكد من أن من ينضمون إليها يمثلون قيمة مضافة تضيف إلى رصيد الحزب من الخبرات فى المجالات المختلفة التى تضمن تنفيذ برنامجه .. لو فعلنا ذلك سوف نجد عجبا.

كما حزبا يضع شروطا للعضوية ومنهجا لاختيار أعضائه ؟ وأعنى هنا التمسك بتلك الشروط عند قبول العضوية وليس مجرد صياغتها وطباعتها فى كتيبات أنيقة .. كم واحدا من هؤلاء يرى فى برنامج الحزب "قضية" تعبر عن آماله وطموحاته فى مستقبل أفضل ، وكم واحدا من هؤلاء مستعد أن يناضل بكل مايملك من قوة وإمكانات من أجل تلك القضية ولكى يصل حزبه إلى الحكم ويحقق تلك الطموحات والآمال؟ بل إنى سوف أكون أكثر جرأة وأسأل كم طلبا للإنضمام رفضه الحزب – أى حزب – لأن صاحب الطلب لاينطبق عليه شروط العضوية، وكم عدد الذين استقالوا احتجاجا على الواقع المغاير لما توقعوه حين انضموا للحزب بشرط أن يكونوا قد استنفذوا كل الوسائل لتعديل المسار ؟ كثرة العدد إذن لاتعكس قوة الحزب وإلا أصبح المشهد السياسى مزادا يباهى فيه كل حزب بعدد أعضائه وتغلغله فى الشارع المصرى .. حسابيا نعم ، علميا لا وألف لا خاصة وأننا نتحدث عن العمل السياسي الذى هو فى جوهره عمل يهدف إلى التغيير المجتمعى من خلال "وسطاء تغيير" يقودون الجماهير ويؤثرون فيها ويستنهضون هممها ويجمعون طاقاتها لإحداث هذا التغيير.. بغير ذلك يصبح العدد "لمة" أو "عزوة" أو تجمع قبلى يناصر شيخ القبيلة ظالما أو مظلوما وتضيع الرؤية وتتغير الرسالة بتغير الموقف وتغير مراكز القوى داخل الحزب .. هناك فارق بين الإستراتيجية والتكتيك، فبينما الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق غاية وهدف أسمى لإحداث تغيير بحجم الوطن كله يلبى احتياجات الغالبية العظمى من الناس ، تختلف التكيتيكات التى تمثل الوسائل والأساليب التى يمكن استخدامها لتحقيق ذلك .

من هنا فإن العمل داخل أى حزب لابد وأن يكون جماعيا مؤسسيا منظما توزع فيه الأدوار داخل منظومة متكاملة العناصروتضامن فى المسئولية تجاه أى قرار هام يتخذ باعتبار أن عضوية الحزب تعنى على أقل تقدير المشاركة بسهم يتيح لصاحبه أن يكون له رأى فيما يحدث وصوت فيما سيحدث وحق اختيار من يمثله والإعتراض على مايخالف العقد الضمنى بينه وبين الحزب ممثلا فى قياداته والتزامهم بمبادئ الحزب وسياساته.. أما الإنضمام إلى الأحزاب لتحقيق أهداف ومصالح شخصية استغلالا لاسم الحزب فهو إعادة لسيناريو كئيب متهتك من وضع حزب التوريث والذى كان مقررا علينا لأكثر من ثلاثة عقود متوالية ونتج عنه نمو طبقة جديدة من المصريين محترفى سياسة المصالح تكتشف الثغرات التى ينفذون منها إلى أى حزب ويتغلغلون فى تنظيماته بأساليب تدربوا عليها جيدا فى حضن نظام بوليسى فيحكمون سيطرتهم عليه ويوجهون سياساته لاسيما فى ظل قيادات ضعيفة تسمع وتتكلم أكثر مما تفعل .. عمليات "القرصنة" تلك والتى تمارس على الأحزاب تعيد إلى الإذهان ممارسات "الحزب غير الوطنى" الذى عاث فى مصر فسادا ضربت جذوره فى الأرض لأعماق سحيقة ويحتاج اقتلاعها إلى عشرات السنين من العمل الشاق والوعى واليقظة وشجاعة  المواجهة .. لابد أن تقتنع قيادات الأحزاب بأن ضمان بقاءها على الساحة رهن بوجود معارضة داخلية موضوعية وبناءة ، وأن سر قوتها يكمن فى استغلال الطاقات المعطلة واكتشاف مواهب الكوادر الموجودة بها وتصعيدها دون خوف من عصبيات أو تكتلات .. تطهير الأحزاب لأنفسها اصبح أمرا مقضيا والمشهد السياسى الهزلى الذى كان سائدا قبل الثورة سوف يختفى بالتدريج.

No comments: