Monday, September 19, 2011

الفربق بين "تأسيس" حزب .. و "تأثيث" حزب


الفرق حروف قليلة قد تتشابه كثيرا فى النطق بعد أن أهملنا لغتنا العربية الجميلة وأصبحنا نباهى بأن ثقافتنا غربية وبعدد اللغات الأجنبية التى نجيدها ، ولكن الفرق فى المعنى بعيد بعد الشمس عن القمر فى الحياة السياسية .. كثير من الأحزاب الموجودة على الساحة الآن تعانى من مياه بيضاء وزرقاء تحجب رؤيتها لما تحتاجه مصر مابعد ثورة يناير، وتحتاج إلى مشرط الجراح لكى يعيد إليها بصرها .. وقد لايجدى ذلك  إذا كان المرض بسبب عيوب خلقية ولدت بها تلك الأحزاب أوفيروسات نقلت إليها عبر من تسللوا إلى قواعدها وتنظيماتها وتمكنوا من جهازها المناعى وأضعفوه إلى الحد الذى أصبح يتقبل السلوك البهلوانى على أنه نشاط حزبى، والصوت العالى على أنه تأثير شعبى، والنفاق والتودد والابتذال فى الطلب لتولى المناصب على أنه ولاء مطلوب، والتسابق على احتلال الغرف وتأثيثها على أنه تواجد مطلوب.

أى حزب سياسى مؤسسة، والمؤسسات تدار بالعلم ومقتضيات الواقع معا لكى تقوم على رؤية واضحة ورسالة محددة وخطة استراتيجية بأهداف محددة واستراتيجية عامة ينتهجها الحزب ، وخطط عمل تفصيلية تترجم كل ذلك إلى برامج تتحقق بها الأهداف وتقاس فاعليتها وتأثيرها، وبمرور الوقت تتشكل "ثقافة" الحزب وهى بمثابة البوصلة التى تحدد إتجاه الحزب والقيم الحاكمة التى تحكم سلوك أعضائه  .. والمؤسسات تحتاج إلى هياكل تنظيمية تحدد العلاقة بين الكيانات المختلفة للحزب والعلاقة بينها، وكذلك عملية اتخاذ القرار والآليات المختلفة لكى يأتى القرار متوافقا مع رأى الأغلبية ومحققا للأهداف التى تم الإتفاق عليها من قبل.. ومالم تتحدد الأدوار بدقة داخل تنظيمات الحزب تحول الأمر إلى فوضى وضاعت المسئولية وتكاثر عدد من نسميهم Free Riders أى "المتسلقون" من هواة ركوب القطار دون تذكرة أو يتنطعون على الطرق أملا فى "توصيلة" مجانية .. هؤلاء الذين يعيشون على جهد الآخرين وينسبون الفضل لأنفسهم فى أى نجاح ويتنصلون بسهولة من أى فشل أو تقصير ومن ثم أى حساب.. خطورة ذلك أنه بمرور الوقت تضيع هوية الحزب ويتحلل من قيمه ومبادئه، ويصبح ساحة للصراع على المصالح وبدلا من أن يحتل مكانا متقدما بين القوى السياسية المؤثرة يرضى بالجرى لاهثا على القضبان لعله يلحق بآخر عربة فى القطار .

الجالس على مقعد القيادة فى الأحزاب التى وصفناها لابد وأن يكون لدية خارطة طريق واضحة المعالم يشترك فى إعدادها من جاءوا به وتكون نابعة من احتياجات مشروعة لجموع الشعب وليس فقط من ينتمون إلى الحزب، ولأن كل حزب لابد وأن يسعى إلى الحكم وإلى تحقيق الأغلبية فى المجالس النيابية فبديهى أن يكون لدى الحزب "كشافون للمواهب" يضعون أعينهم على الكفاءات التى تتوافر بالحزب وتصعيدها لكى يكون لها دور مؤثر فى رسم سياسات الحزب ، وهى مهمة تعترضها كثير من الألغام التى يضعها أصحاب المصالح وجماعات الضغط فى طريق كل تسول له نفسه أن يهدد مصالحهم أو يحاول أن يكون موضوعيا فى اختياره لمن يجلسون فى الصفوف الأولى التى تمثل الواجهة التى تعلن عن الحزب وتروج لبرامجه وتجتذب الأعضاء الجدد والمؤيدين لبرامجه والذين يمثلون قاعدة إطلاق الصواريخ لمستقبل الحزب وحائط الصد ضد أى تآمر عليه أو محاولات إضعافه.. الأحزاب كلها لديها الشخصيات والكوادر التى تستطيع ذلك وأكثر ، ولكن المشكلة أنهم لايجيدون فنون "عرض البضاعة" أمام أعين صاحب القرار والتفرغ للإلتفاف حوله وعزله عن القاعدة والاستئثار بأذنه فلا يسمع سواهم واعتراض مجال رؤيته فلا يرى غيرهم.

أما "تأثيث" الأحزاب فأمر سهل طالما توفر المال الذى سوف يتوافر دائما طالما فتح الحزب أبوابه لمن يريد أن يشترى إسما أو منصبا أو جاها أو واجهة تقدمه للناس حتى لو كانت شبه شرفية لاتحقق للحزب أى قيمة مضافة سوى زيادة رصيد البنك بعدة آلاف وأحيانا ملايين يصرف جزء منها على تأثيث المقرات والمكاتب التى يمكن أن تغطى كل مدينة وشارع وحاره فى طول البلاد وعرضها ولكن معظمها يظل لافتة بلا مضمون أو نشاط أو أعضاء تجمعهم مبادئ وأهداف وإرادة فى مواصلة العمل لخدمة أهداف قومية عليا من خلال الحزب .. تلك المكاتب واللجان قد تكون نوعا من بيع الوهم تعطى انطباعا بوجود أخطبوط حزبى تمتد أذرعه إلى كل شبر من الوطن ولكنها ليست بالقطع مصادر قوة حقيقية لقدرة الحزب على الوصول للقواعد العريضة من الناخبين وتعبئتهم وتحريكهم وكسب تأييدهم لكى يصل الحزب إلى الحكم.. مستقبل الحياة السياسية إذن لايتحقق إلا من خلال "مأسسة" الأحزاب ، أى تحويلها إلى أحزاب مؤسسية بالمعنى الذى شرحناه، وليس بتأثيث الأحزاب لكى تمتلئ "بورد قاعد على الكراسى" يحولونه طوال الوقت إلى "مكلمة" على غرار الحزب الوطنى تناقش وتنظر وتعطى انطباعا زائفا بالحركة والنشاط دون أن يتحقق من وراءها أى عائد فعلى .

No comments: