Monday, May 30, 2011

دليل المدير الذكى فى إدارة الحوار الوطنى

حوار يعنى حوار، وليس معنى آخر لو غيرنا حرفا فى الكلمة ، ولكى يكتمل الحوار فمن البديهى أن يجمع كل اطياف المجتمع وفئاته وشرائحه من المثقفين والكتاب والفنانين والعمال والفلاحين وأساتذة وطلاب الجامعات، وكلهم كانوا ممثلين فى ملايين المصريين الذين قاموا بثورة 25 يناير وحققوا بتوفيق من الله وإصرارهم واستشاهدم ومساندة الجيش معجزة الإطاحة بنظام حكم فاسد تعفن بعد أن انتهت صلاحيته منذ عقود ولكن أصحابه من التجار الفاسدين أصروا على أن ينحشر فى حلوق المصريين يبتلعونه على مضض قبل أن ينزل إلى أمعائهم مخلوطا بالقليل من الطعام الملوث بالمبيدات السامة التى أجازها النظام لكى تمتلئ خزائنه العمولات التى يتقضاها على بيع كل موارد مصر وتخريب مالا يصلح للبيع .. السؤال هو : من يدير هذا الحوار ومن يحضره ممثلا لكل الشرائح التى ذذكرناها ومن الذى يختار هؤلاء لكى يمثلوا شعب مصر الثورة؟


بدأ الحوار حكوميا وفشل من أول جلسة ، وتغيرت الوجوه لكى يبدأ من جديد بنفس الإسم مع استمرار الحوار الحكومى وتغيير إسمه إلى "الوفاق الوطنى" حفظا لماء الوجه .. أصبح لدينا حوارات يتباريان على استمرار العرض واستخلاص النتائج والخروج بها إلى الناس على أنها إنجاز وطنى كبير ، لكى تزداد حيرة الناس فى أى الحواريين يمثل آراءهم ومن الذى فوض من يتحدثون باسمه ويعبرون عن آماله ويعرضون مشاكله ورؤاه عن مستقبل البلد الذى ثار لكى لكى يحققه ؟ دخل الشباب قاعة الحوار التى دعوا إليها ليجدوا أن "خدام" النظام السابق يحتلون كراسى الحفل ويديرون حواراته ولجانه ، ولم يكن لذلك أى معنى سوى أن العرض سوف يستمر ولاأمل فى إصلاح وأن من اشتركوا فى التخريب والفساد بالأمس ولو بالسكوت عليه هم نفس الوجوه التى دعيت للمؤتمر لكى تضع خريطة مصر مابعد الثورة .. رموز لم يكن لدى أحد منهم شجاعة الكلام ولا الإستقالة ولا حتى الإنضمام إلى حزب قائم يفضح من خلاله ممارسات النظام إذا لايستطيع أن ينشئ حزبا ، ولكنهم يجلسون بكل جرأة لكى يحاوروا جيل الثورة فى إصلاحات لم يكفهم ثلاثين عاما كانوا فيها فى مواقع السلطة ولم يتحقق منها شيئ .. كيف نلوم الشباب على رفضهم الحوار مع هؤلاء باعتبارهم أعداء الثورة بالضرورة ، وكيف ترتفع الأصوات "العاقلة" الآن تنادى بالديموقراطية التى تفرض الرأى والرأى الآخر ؟

قلت أن العرض مستمر حتى لو تغيرت الوجوه وإليكم دليل واحد لم ينتبه إليه أحد .. الحوار الحكومى الذى لم يستمر سوى جلسة واحدة لفشله بإجماع آراء من حضروه قانم بتنظيمه وإدارته مركز المعلومات الذى لايزال تابعا لمجلس الوزراء وشاركت أحدى مديرات المركز فى إدارة الحوار .. نفس المديرة التى كانت الرموز المرفوضة الحاضرة للحوارات الدائرة حاليا بمسميات مختلفة ضيوفا دائمين على المؤتمرات التى تنظمها باسم المركز لمناقشة قضايا صرف عليها الملايين من أموال المعونات الأجنبية وميزانية الدولة على السواء لكى تناقش قضايا "مستوردة" لاعلاقة لها بالشعب المصرى يساندها إعلام رسمى يظهرها على أنها إنجازات رائعه ويتيح لمن حضروا تلميعا إعلاميا يذكر قيادات الفساد بهم إذا ماخلا كرسى حول طاولة المتآمرين على مستقبل مصر.. نفس المركز الذى كان يديره أحمد عز من وراء ستار – والذى قادت "الوفد" حملة بالمستندات ولم يجرؤ أحد من قيادات المركز على إرسال تكذيب واحد لما ورد بها من وقائع هى الآن محل تحقيق عدد من الجهات – هو الذى يساعد فى إدارة الحوار الوطنى بنفس المديرة التى شاركت فى إدارة الحوار الحكومى من قبل .. هل هناك ضحك على العقول أكثر من ذلك ؟ وهل هناك نتيجة ترجى من حوارات يدعى إليها من نعرفهم فى ظل النظام السابق بدلا من أصحاب المصلحة الحقيقيين فى إزالة آثار العدوان الذى وقع على مصر بأيدى هؤلاء ؟

لازلنا نحتاج إلى "الإفراج" عن مصير مصر من أيدى هؤلاء، ولازلنا نحتاج من حكومة شرف أن تنظف صفوفها من بقايا من كانوا أعضاء بارزين فى مؤسسات النظام المخلوع حتى لايلوثها ماعلق بأيديهم من فساد ودماء لشهداء الثورة .. مؤسسات كان يديرها "طبال" نظام مبارك بإشارة من يده ويسخرها لخدمة الحزب، يسانده مهندس اقذر عملية "بغاء سياسى" فى تاريخ مصر وجوقة من المنشدين تحايلت ثلاثين عاما تبيع الوهم وتنشر الفساد وتحاول أن تجعل من الكباريه كعبة .. وإذا كان قضاء مصر العادل يثقل كاهله الآن حجم تلك المفاسد المتهم بها رؤوس النظام الموجودون الآن خلف القضبان ، فإن ذيولهم وأتباعهم لايزالون طلقاء يمارسون أدوارهم القديمة بواجهات جديدة وصلت إلى دوائر الحوار الوطنى لوضع خريطة مصر المستقبل وينبغى أن يشملهم الدور قبل أن يمكنوا من التغلغل فى مؤسسات تحاول أن تتطهر والإشتراك فى لعب أخطر الأدوار فى تقرير مصير الوطن .. ولرئيس الحكومة نقول: كان النظام المخلوع "يعاند" الشعب فيبقى على من يطالب الناس بإقالته أو محاسبته ويقصى الشرفاء – وأنت منهم – لذلك نثق أنك سوف تعيد النظر حولك بإمعان وتتخلص ممن سوف يسيئ بقاءهم فى حكومتك إلى ماضيك المشرف ، ويأكل من رصيدك لدى ثوار التحرير الذين نصبوك نائبا عنهم فى إدارة حكومة الثورة.

دليل المدير الذكى فى الحفاظ على الوقت

أنظر حولى فإرى الحياة تتبدد والناس تتصرف كما لو كان العمر مشوارا نحدد طوله ونقرر متى وكيف نقطعه .. ألغى الناس عنصر الوقت من حساباتهم وأصبحوا يرتدون الساعات استكمالا للمظهر العام وليس لحساب الوقت والإلتزام به .. أليست نكتة سخيفة أن تحاصرنا أدوات ضبط الوقت فى كل مكان نذهب إليه ولكننا نتجاهلها ولانلتفت إليها ؟ ساعات الحائط فى كل مكان ، أجهزة المحمول تظهر الوقت على الشاشة ، والساعات أشكال والوان نرتديها حول معاصمنا ولكننا نصر فى كل مانفعل أن نؤكد على عدم فائدتها وضآلة قيمتها.. حجم الفرص الضائعة عندنا يساوى حجم عدم تنظيم الوقت واحترامه ، والخسارة الناتجة عن ذلك جسيمة وهائلة على المستوى الشخصى والمستوى القومى والإقليمى .. حسن إدارة الوقت ثقافة نفتقدها ، أما "قتل الوقت" فصناعة مصرية تحتل مكانا مرموقا فى موروثاتنا الثقافية على كل مستويات وشرائح المجتمع ، وتعالوا نأخذ بعض الأمثلة على تفننا فى إهدار الوقت:


أصبنا بما يمكن أن نسميه "شهوة الكلام" حتى لأدهش من الذى يستمع فى مصر. خمسة وخمسين مليونا من المصريين يحملون تليفونا يصاحبهم فى أى وقت وفى أى مكان بصورة مرضية توحى باخترع يسمح بأن يصبح المحمول جزءا من الأذن حتى لايضطر أحد إلى تحمل عبء فتح وإغلاق التليفون أو إعادته إلى جيبه أو جرابه حين الرد على مكالمة أو الإنتهاء منها .. شعب يصرف 36 مليار على الكلام كل سنة ، ولو حسبنا العائد على الدخل القومى من وراء ذلك فلن يتجاوز 10% والباقى يدخل فى جيوب شركات المحمول الثلاثة بالإضافة إلى مايصرف على التليفونات الأرضية .. لايمكن أن نسمى مايحدث "صناعة الإتصالات" بل نسميها وبحق "صناعة الكلام" ويحق لنا أن نسجل الإسم وحق الإختراع إذا لزم الأمر.

زادت مشكلة المرور تعقيدا لأسباب لانعلمها بعد ثورى يناير وأصبحت وجعا قوميا مزمنا يسيطر على المراكز العصبية لمصر ويصيبها بالشلل فى معظم الأحيان بعد أن حظينا بسلوك متحضر فى الشارع من قائدى السيارات لأسابيع قليلة عادت بعدها "ريمة لعادتها القديمة" ، وبحسبة بسيطة للوقت الضائع فى الذهاب إلى العمل والعودة أو فى حضور اجتماع أو قضاء الحاجات اليومية سوف نكتشف أننا نضيع ربع حياتنا على الأقل داخل وسائل المواصلات المختلفة أو داخل سياراتنا على حساب الإنتاج وزيادة الناتج القومى .. بل إن الأخطر من ذلك أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لكى نعالج توابع التلوث الذى يحدثه عادم تلك السيارات بأنواعها المختلفة وموديلاتها القديمة وحالتها المتردية ، وسواء اقعدنا المرض فى المنزل أو فى المستشفى فإن النتيجة المؤكدة أننا نضيع مزيدا من الوقت حين نؤجل الحلول الجذرية للمشاكل فتصبح مزمنة أو مستعصية تحتاج لمزيد من الوقت للتصدى لها .. أكثر من 50% من الفاقد فى الناتج القومى الإجمالى يرتبط بتصلب شرايين الشارع المصرى بصورة تجعل العاصمة تعيش على جهاز التنفس الصناعى .

• عشق الإجتماعات فى مؤسساتنا أكبر مضيعة للوقت حين تتحول تلك الإجتماعات إلى "مكلمات" وفرصة للفضفضة أو لتبادل الإتهامات أحيانا .. وكثير من اجتماعات العمل لايحدد لها جدول أعمال ولاإطار زمنى تبدأ وتنتهى عنده ، وحتى لو كان هناك جدول أعمال قلامانع من الخروج عليه للأعلى صوتا الذى يريد أن يفرض إرادته على الآخرين .. الإجتماعات مالم تنتهى بالإتفاق على شيئ وتوزع التكليفات ويتم متابعة تنفيذها تتحول إلى لقاءات نميمة أو مناسبة اجتماعية للدردشة .. أكثر من نصف الوقت المخصص للعمل يضيع فى اجتماعات لالزوم لها لمناقشة موضوعات روتينية بسيطة يمكن التعامل معها واتخاذ قرارات سريعة بشأنها دون إضاعة وقت فريق العمل الذى حضر الإجتماع .. الناس فى مصر يحسبون وقت الإجتماع بحساب الفرق بين وقت بدء الإجتماع وانتهائه ، ولكن الصحيح هو أن وقت أى إجتماع ينبغى أن يكون حاصل ضرب عدد الحاضرين فى الوقت الذى استغرقه الإجتماع.

السرد والتكرار والإستطراد ملامح تحدد نمط التواصل بيننا .. نحن حكائون بطبعنا والقصة التى نحكيها نعيدها أكثر من مرة بسيناريوهات وطرق مختلفة زيادة فى التأكد من أن الرسالة التى نريد أن تصل للطرف الآخر .. نفعل ذلك حتى فى أبسط الأمور التى لاتحتاج إلى شرح كثير والمقدمات فى كثير من الأحيان تكون أطول من الموضوع نفسه ودائما مايسرقنا الوقت فلا نجد وقتا كافيا لقول المفيد بعد أن استهلكنا الوقت فى المقدمة للموضوع والتمهيد له .. ويكفى مشاهدة أى برنامج حوارى لكى نتأكد من أن مايدور ليس "حوارا" بين طرفين وإنما عزف منفرد للمتكلم دون أن يلقى بالا للوقت ولا لحق الآخرين فى التعبير عن أرائهم.. ومهما جاهد مقدم البرنامج أو مقدمته لكى تذكر الضيف بأن الوقت يداهمهم، كلما أصر الضيف على الإستفاضة وتكرار ماقال بطرق أخرى، دون مراعاة لحق باقى الضيوف فى طرح آرائهم فى القضية المثارة، وينتهى الوقت ولاتزال الأسئلة التى بدأ بها النقاش عالقة فى الهواء وبذلك يضيع وقت الهواء ووقت المشاهدين على السواء .. نحن إذن بحاجة إلى إعادة تربيه لأسلوب التواصل واحترام الوقت فى البيت والعمل والجامعة والشارع فى المرحلة القادمة التى نعيد فيها تشكيل مستقبل مصر، وليتنا ندرك أن الوقت هو المورد الوحيد المتاح لنا فى الحياة الذى حين نضيعه ونهدره فلا يمكن تعويضه.

دليل المدير الذكى فى اختيار المستشارين

هامان كان كبير مستشارى فرعون موسى .. أقنعه أنه يملك الأرض ومن عليها ويحيى ويميت ويمنح ويمنع وأنه على كل شيئ قدير إلى الدرجة التى جعلت الفرعون يطلب من أمين شئونه ومستودع أسراره أن يبنى له صرحا يصل إلى عنان السماء لعله يطلع على آله موسى .. إلى هذه الدرجة يمكن أن يتغلل مستشارو السوء فى حياة اسيادهم يسمعونهم مايحبون، ويبيعون لهم الوهم، ويزينون لهم الباطل، ويجعلون المستحيل ممكنا والشاذ وغير المألوف طبيعيا، وظلم الناس عدلا خالصا، والمطالبة بالحق تمردا وبطرا على النعمة فيتحول السيد بالتدريج إلى صورة سيد ومسخا مشوها لرئيس مؤسسة أو رئيس دولة، ويصبح فى الحقيقة خادما لأغراض هؤلاء المستشارين من محترفى البغاء السياسى والعهر المؤسسى يحكمون باسمه، ويستمدون جبروتهم من سلطاته وينفذون خططهم للإثراء غير المشروع ويتاجرون فى كل شيئ لحسابهم وحساب المجموعات الأخرى من مراكز القوى التى يشكلونها صفا ثانيا وثالثا تحمى مكاسبهم التى ينالهم نصيب منها حتى لو كان الفتات والذى يصل أحيانا إلى الملايين.


مصر نموذج واقعى لنظام قامت مؤسساته على الفساد، وتعددت شبكات الفساد فيه تنسج حول الوطن شرنقة من الأسلاك الشائكة تغلفها خيوط حريرية تجمل شكلها وتخدع الناظرين وتلهيهم عما يدور داخل الشرنقة ..تدابير محكمة تعزل من يظن أنه الحاكم الفعلى فى عالم رومانسى خيالى اقتراضى لاوجود له فى الواقع من صنع العصابات التى تحيط به .. هامان يسكن إلى جوار الحاكم ويجلس على بابه ويتحكم فيمن يراهم ويعرف مسبقا نواياهم ويسمح لهم بالدخول بعد أن يوافق على ماسيقولون ويتأكد أنه لن يفسد أى خطط شارك فى صنعها مع سدنة النظام وكهنته والمسبحين بحمده ليل نهار.. يعرف أسرار الفرعون ويحتفظ لنفسه بما يدينه "ويجرسه" لابتزازه وإخضاعه لرغباته، ويقصى أى صوت يريد أن يرتفع بكلمة الحق ويعتبر ذلك تهديدا صريحا لأمن "مؤسسة الفرعون" ورؤوس النظام ، بل ويلقنه فنون الإبتزاز وأساليب الوقيعة وإشعال الفتن ويجند فرقا من البلطحية والفتوات والمجرمين والخارجين على القانون لحمايته بعد تعطيل كافة القوانين ماعدا ماتم تفصيله "وترقيعه" ليقنن السرقة والنهب والفساد .. يصبح رأس النظام أبا روحيا وعرابا "لأسر" من المافيا تسكن مؤسسات الدولة باعتبارها دورا للإيواء لمن هم على شاكلتهم بدءا بأقاربهم وانتهاء بخدام يتمسحون على أعتابهم ويلعقون أحذيتهم ومرورا بالمعارف ومن تربطهم بهم مصالح مشتركة داخل إطار منظومة الفساد التى تسمى الدولة.

تصوروا رئيس دولة سابق يهدد "بفضح" بعض قيادات الدولة ، ويصرح بأن لديه مستندات تدينهم وأنهم سوف يكشف عنها فى الوقت المناسب .. يساوم على عدم محاكمته وترحيله إلى السجن أو مستشفى عسكرى بعد أن أعيته حيل المبالغة فى التمارض وكسب الوقت والمناورات التى ضاق بها الشعب ذرعا وأصبح سرعة محاكمته مثلما يحاكم كل رموز نظامه مطلبا شعبيا ملحا .. رئيس نظام المافيا التى كانت تحكم مصر باسمه "وبمباركته" يطبق أساليب مستشارى السوء ممن كانوا يحيطون به ، وعى الدرس جيدا ويريد الآن أن يجرب تطبيقه بعد أن جرب من قبل العديد من الأساليب للوقيعة بين الشعب والجيش وبين الشعب والشرطة وبين الشعب والشعب ممثلا فى فئاته المختلفة ، ولم تتوانى فلول النظام عن استخدام الفتنة الطائفية والمطالب الفئوية لإشعال النيران فى الوطن كله حتى يهنأ الفرعون بمنظر مصر تحترق من شرفة غرفته فى شرم الشيخ .. تعلم الدرس ووعاه من أساتذة ومستشارين تخصصوا فى هذا النوع من الممارسات "الغير شريفة" يساندهم جيوش من "صرماتية القوانين " تحميهم وتقنن أفعالهم ..رئيس يشعر أنه فوق القانون ويرفض أن يتصور أن نهب مصر وإشاعة الفساد بين ربوعها وقتل شباب الثورة ومن قبلهم الآلاف فى المعتقلات والسجون وأقسام الشرطة على يد زبانيته جرائم عظمى تستحق الحساب ، تورمت ذاته فأصبح يشعر أنه أكبر من أى مساءلة وذاته مصونة لاتمس.

منتهى العدالة أن يطالب الشعب بمحاكمة مبارك وأسرته ومستشاريه ورؤوس النظام وأذنابهم ممن لايزالون يحتلون مناصبهم التى كانوا يشغلونها فى عهده، بل إن بعضهم استطاع أن يتسلل إلى مناصب أعلى فى أعقاب الثورة .. عدالة حرم منها شعب بأكمله ظل حبيس الوطن أسيرا حكم عليه بالسجن المشدد ولم يفكر أحد – حتى قامت الثورة – أن يفرج عنه لحسن السير والسلوك أو حتى بثلاثة أرباع المدة .. الرئيس الذى خرج على الناس بمنتهى الجرأة يهدد "بمقاضاة" من اجترأوا باتهامه وأسرته أنه هرب المليارات للخارج هونفسه الذى يطلب اليوم العفو والرحمة وعدم المحاكمة على جرائم ضد الإنسانية وخيانة الأمانة والقتل العمد بل والخيانة العظمى فى حق مصر.. سوف تتكرر زيارات مبارك ومن كانوا حوله لقصر العدالة متهمين ينتظرون حكم القضاء فيهم قصاصا لشعب مصر، وسوف يوقنون أن قصر العدالة يختلف شكلا وموضوعا عن قصر الرئاسة الذى كان وكرا لعصابات الفساد التى كانت تحكم مصر.. سوف يجلسون فى قفص الإتهام يسمعون لائحة الإتهامات المشينة والأحكام العادلة التى سيرحلون بعدها إلى السجون لكى ينضموا لطوابير أخرى من نوعيتهم أساءت إلى الوطن وأضاعت حرمته وروعت شعبه.

Monday, May 16, 2011

2أصحاب الرسالات وأصحاب المعالى: قصة بنك الفقراء

لدينا فى مصر أكثر من كيان إنشئت فى عهد مبارك بأسماء براقة الغرض منها كما أعلن التنمية المجتمعية مثل وزارة السكان والصندون الإجتماعى والمجلس القومى للأمومة والطفولة ووزارة التضامن الإجتماعى .. وزارات ومؤسسات يتبعها هيئات يعمل بها عشرات الألوف من الموظفين ويصرف عليها مئات الملايين كل عام من ميزانية الدولة لكى تحقق أهدافا نبيلة ليتها تحققت ولم تظل أحلاما تراود الخيال ويتم استغلالها فى جلب المعونات الخارجية التى تنتفخ بها جيوب رأس النظام وأسرته وأعوانه، والقروض التى تثقل كاهل مصر ويسددها الشعب من قوته دون عائد يسهم ولو بقدر ضئيل فى تحسين أحوال الغالبية العظمى من شعبنا العظيم .. إنتظرنا من تلك المؤسسات أن تعمل معا فى تكامل لو حدث لكنا قضينا على البطالة والفقر والمرض وغيرها من الأمراض الإجتماعية المزمنة التى ابتلينا بها فى عهد مبارك ، ولكن المشكلة أن كل تلك الكيانات لم تنشأ أصلا لكى تؤدى أدوارا فاعلة لنهضة الأمة وإنما واجهات تبرر أنشطة زوجة الرئيس المخلوع ، أو "الهانم" كما كانوا يسمونها، وديكورات تبرر صرف الميزانيات المليونيةعلى الإجتماعات والسفر والمؤتمرات وجيوش الموظفين من أصحاب الحظوة أبناء وأقارب ومعارف كبار المسئولين فى الدولة من الموجودين خلف القضبان الآن وأتباعهم وذيولهم ممن سيلحقون بهم فى القريب العاجل.


أقول ذلك وفى ذهنى نموذج لفرد واحد إستطاع دون مؤسسات ولاهيئات ولا مجلس قومية ولا حتى مقار مريحة ولا سيارات فارهة أو طائرات يتنقل بها أن يغير أمة بأكمها، ويمسح عن وجهها عار الفقر والأمية والتخلف بمشروع بدأ بسبعة وعشرين دولارا أخرجها الرجل من جيبه وأقرضها دون ضمانات لعدد من فقراء بلده واشترط عليهم أن يسددوها له حين ميسرة .. وثق بهم فلم يخيبوا ظنه وبدأ بهم تجربة رائدة تدرس فى كليات الإقتصاد فى العالم والمؤسسات المالية العالمية والبنك الدولى إلا فى مصر حيث كانت مثل تلك المشروعات تمثل تهديدا لمصالح النخبة وتفوت الفرصة على اللصوص والنهابين لثروات الشعوب وتقضى على الفساد والمتاجرة بأحلام الفقراء البسطاء فى حياة كريمة.. ظل نظام مبارك يلوم الشعب على حالة الفقر التى وصلنا إليها (40% تحت خط الفقر ومثلهم على خط الفقر) نظرا لتكاثرنا كما لو كان أى شعب فى الدنيا يظل ثابتا على حاله دون زيادة سكانية، ويعايرنا بافتقاد الحس الوطنى لأننا نزيد بمقدار مليون نسمة سنويا كما لو كان ذلك سببا وحجة لتدهور الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وإنتشار الأمية وتفشى الأمراض، فى الوقت الذى صدعوا به رؤوسنا بخطط التنمية الوهمية .. أقنعونا أننا دولة فقيرة معدمة جفت مواردها بسبب استهتارنا كشعب يعطل كل خطط التنمية بينما كانت كروشهم تكبر وتتورم من الثروات التى ابتلعوها ولم يكن يتصور أكثر الخيالات جموحا أنها بهذا الحجم وعروشهم تعلو بعيدا عن مستوى الشارع لتبلغ عنان السماء فى أبراج عاجية عازلة للصوت تمنع عنهم آهات المظلومين المنهوبين باعتبارهم عورة ينبغى إخفاؤها.

إخترت تجربة بنجلاديش – وترتيبها الثامن من حيث الكثافة السكانية فى العالم – لأنها أكثر فقرا من مصر وتعانى من نفس الأمراض الإجتماعية المزمنة التى خلفها لنا نظام مبارك، لكى نبطل بالعلم كل الأكاذيب التى ابتلعناها خلال ثلاثة عقود مضت .. بنجلاديش التى نتحدث عنها يبغ تعدادها 140 مليون نسمة (طبقا لتعداد 2000) يعيشون على مساحة 144 ألف كيلومتر مربع أى أن الكثافة السكانية تبلغ 1000 مواطن فى الكيلومتر المربع تقريبا بواقع متر مربع لكل مواطن ويتوقع أن يبلغ عدد السكان 158 مليونا فى عام 2011 ويمثل الذكور 23ر53% من عدد السكان ، والإناث 13ر48% .. أنفصلت مع باكستان عن الهند عام 47 وحصلت على استقلالها عن باكستان عام 71 وقاست العديد من المجاعات والكوارث الطبيعية ولكنها الآن دولة ديموقراطية برلمانية.

أما الرجل الذى آمن بفكرة وشرع فى تنفيذها وأصر على نجاحها بفكر علمى بسيط ولكنه مخلص ووطنى فلم يكن فى موقع مسئولية ، ولاصاحب منصب رسمى فى حكومة بلده ، ولا جاه يزيل العوائق من أمامه ويجعله يتخطى عقبات تنوء بها الجبال فى سبيل تحقيق الأهداف التى وضعها لنفسه وبدأها منفردا بمغامرة محسوبة .. هذا الرجل هو محمد يونس أستاذ اقتصاد حصل على الدكتوراه من أمريكا بمنحة دراسية مجانية ولكنه عاد إلى بلده وقريته التى ولد بها لكى ينفذ مشروعه الذى بدأه بسبعة وعشرين دولارا كما قلت ، وانتهى بتأسيس بنك للفقراء أسماه "بنك جرامين" أى بنك القرية باللغة البنغالية والذى له الآن أكثر من 1178 فرعا فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويعمل به مايزيد عن 11777 موظفا ويبلغ إجمالى القروض الصغيرة التى منحها البنك لعملائه من الفقراء منذ إنشائه فى عام 83 حتى الآن 9ر3 بليون دولار والذى أصبح شعاره " عالم بلا فقر " .. حصل إسم البنك على جائزة نوبل فى العمل الإجتماعى على اعتبار أن ماتحقق يعد تنمية مجتمعية متكاملة تضافرت فى تحقيقها جهود جيش من المؤمنين بالفكرة المصرين على إنجاحها مهما قابلوا من صعاب وعراقيل وتحديات وأرسوا قواعد ثقافة بنكية جديدة تسمى " القروض متناهية الصغر".. قصة لابد أن تحكى لكى يتضح لنا الفارق بين مايمكن أن يحققه أصحاب الرسالات من خدام الشعوب، وأصحاب المعالى ممن تخدمهم الشعوب.. وللحديث بقية.

أصحاب الرسالات وأصحاب المعالى: قصة بنك الفقراء(1

لدينا فى مصر أكثر من كيان إنشئت فى عهد مبارك بأسماء براقة الغرض منها كما أعلن التنمية المجتمعية مثل وزارة السكان والصندون الإجتماعى والمجلس القومى للأمومة والطفولة ووزارة التضامن الإجتماعى .. وزارات ومؤسسات يتبعها هيئات يعمل بها عشرات الألوف من الموظفين ويصرف عليها مئات الملايين كل عام من ميزانية الدولة لكى تحقق أهدافا نبيلة ليتها تحققت ولم تظل أحلاما تراود الخيال ويتم استغلالها فى جلب المعونات الخارجية التى تنتفخ بها جيوب رأس النظام وأسرته وأعوانه، والقروض التى تثقل كاهل مصر ويسددها الشعب من قوته دون عائد يسهم ولو بقدر ضئيل فى تحسين أحوال الغالبية العظمى من شعبنا العظيم .. إنتظرنا من تلك المؤسسات أن تعمل معا فى تكامل لو حدث لكنا قضينا على البطالة والفقر والمرض وغيرها من الأمراض الإجتماعية المزمنة التى ابتلينا بها فى عهد مبارك ، ولكن المشكلة أن كل تلك الكيانات لم تنشأ أصلا لكى تؤدى أدوارا فاعلة لنهضة الأمة وإنما واجهات تبرر أنشطة زوجة الرئيس المخلوع ، أو "الهانم" كما كانوا يسمونها، وديكورات تبرر صرف الميزانيات المليونيةعلى الإجتماعات والسفر والمؤتمرات وجيوش الموظفين من أصحاب الحظوة أبناء وأقارب ومعارف كبار المسئولين فى الدولة من الموجودين خلف القضبان الآن وأتباعهم وذيولهم ممن سيلحقون بهم فى القريب العاجل.


أقول ذلك وفى ذهنى نموذج لفرد واحد إستطاع دون مؤسسات ولاهيئات ولا مجلس قومية ولا حتى مقار مريحة ولا سيارات فارهة أو طائرات يتنقل بها أن يغير أمة بأكمها، ويمسح عن وجهها عار الفقر والأمية والتخلف بمشروع بدأ بسبعة وعشرين دولارا أخرجها الرجل من جيبه وأقرضها دون ضمانات لعدد من فقراء بلده واشترط عليهم أن يسددوها له حين ميسرة .. وثق بهم فلم يخيبوا ظنه وبدأ بهم تجربة رائدة تدرس فى كليات الإقتصاد فى العالم والمؤسسات المالية العالمية والبنك الدولى إلا فى مصر حيث كانت مثل تلك المشروعات تمثل تهديدا لمصالح النخبة وتفوت الفرصة على اللصوص والنهابين لثروات الشعوب وتقضى على الفساد والمتاجرة بأحلام الفقراء البسطاء فى حياة كريمة.. ظل نظام مبارك يلوم الشعب على حالة الفقر التى وصلنا إليها (40% تحت خط الفقر ومثلهم على خط الفقر) نظرا لتكاثرنا كما لو كان أى شعب فى الدنيا يظل ثابتا على حاله دون زيادة سكانية، ويعايرنا بافتقاد الحس الوطنى لأننا نزيد بمقدار مليون نسمة سنويا كما لو كان ذلك سببا وحجة لتدهور الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وإنتشار الأمية وتفشى الأمراض، فى الوقت الذى صدعوا به رؤوسنا بخطط التنمية الوهمية .. أقنعونا أننا دولة فقيرة معدمة جفت مواردها بسبب استهتارنا كشعب يعطل كل خطط التنمية بينما كانت كروشهم تكبر وتتورم من الثروات التى ابتلعوها ولم يكن يتصور أكثر الخيالات جموحا أنها بهذا الحجم وعروشهم تعلو بعيدا عن مستوى الشارع لتبلغ عنان السماء فى أبراج عاجية عازلة للصوت تمنع عنهم آهات المظلومين المنهوبين باعتبارهم عورة ينبغى إخفاؤها.

إخترت تجربة بنجلاديش – وترتيبها الثامن من حيث الكثافة السكانية فى العالم – لأنها أكثر فقرا من مصر وتعانى من نفس الأمراض الإجتماعية المزمنة التى خلفها لنا نظام مبارك، لكى نبطل بالعلم كل الأكاذيب التى ابتلعناها خلال ثلاثة عقود مضت .. بنجلاديش التى نتحدث عنها يبغ تعدادها 140 مليون نسمة (طبقا لتعداد 2000) يعيشون على مساحة 144 ألف كيلومتر مربع أى أن الكثافة السكانية تبلغ 1000 مواطن فى الكيلومتر المربع تقريبا بواقع متر مربع لكل مواطن ويتوقع أن يبلغ عدد السكان 158 مليونا فى عام 2011 ويمثل الذكور 23ر53% من عدد السكان ، والإناث 13ر48% .. أنفصلت مع باكستان عن الهند عام 47 وحصلت على استقلالها عن باكستان عام 71 وقاست العديد من المجاعات والكوارث الطبيعية ولكنها الآن دولة ديموقراطية برلمانية.

أما الرجل الذى آمن بفكرة وشرع فى تنفيذها وأصر على نجاحها بفكر علمى بسيط ولكنه مخلص ووطنى فلم يكن فى موقع مسئولية ، ولاصاحب منصب رسمى فى حكومة بلده ، ولا جاه يزيل العوائق من أمامه ويجعله يتخطى عقبات تنوء بها الجبال فى سبيل تحقيق الأهداف التى وضعها لنفسه وبدأها منفردا بمغامرة محسوبة .. هذا الرجل هو محمد يونس أستاذ اقتصاد حصل على الدكتوراه من أمريكا بمنحة دراسية مجانية ولكنه عاد إلى بلده وقريته التى ولد بها لكى ينفذ مشروعه الذى بدأه بسبعة وعشرين دولارا كما قلت ، وانتهى بتأسيس بنك للفقراء أسماه "بنك جرامين" أى بنك القرية باللغة البنغالية والذى له الآن أكثر من 1178 فرعا فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ويعمل به مايزيد عن 11777 موظفا ويبلغ إجمالى القروض الصغيرة التى منحها البنك لعملائه من الفقراء منذ إنشائه فى عام 83 حتى الآن 9ر3 بليون دولار والذى أصبح شعاره " عالم بلا فقر " .. حصل إسم البنك على جائزة نوبل فى العمل الإجتماعى على اعتبار أن ماتحقق يعد تنمية مجتمعية متكاملة تضافرت فى تحقيقها جهود جيش من المؤمنين بالفكرة المصرين على إنجاحها مهما قابلوا من صعاب وعراقيل وتحديات وأرسوا قواعد ثقافة بنكية جديدة تسمى " القروض متناهية الصغر".. قصة لابد أن تحكى لكى يتضح لنا الفارق بين مايمكن أن يحققه أصحاب الرسالات من خدام الشعوب، وأصحاب المعالى ممن تخدمهم الشعوب.. وللحديث بقية.

دليل المدير الذكى فى اكتشاف "خدامين مصر"

الإدارة – لمن يفهمها - عبء كبير وهم ثقيل وأمانة تنوء بحملها الجبال، ولم تكن يوما نزهة فى حياة إنسان أو تباهى بمنصب أو جاه أو استخدام السلطة لحصد المزايا وانتفاخ الجيوب والكروش .. التعرف على احتياجات الناس وحسن استغلال الموارد المتاحة لإشباع تلك الحاجات هو عندى التطبيق الأمثل لعلم الإدارة ، ولكن هذا التعريف على بساطته يصبح مهمة مستحيلة لو وضعنا الشخص الغير مناسب فى المكان غير المناسب فيبدد الثروة والموارد ويحول العمار إلى خراب ويقضى على أحلام الناس وطموحاتهم ويزرع اليأس فى نفوسهم فتتسرب طاقاتهم دون عمل منتتج وتضيع مواهبهم فى دهاليز البيروقراطية ويتحول الوطن بالتدريج إلى بركة راكدة لاتتجدد مياهها ببقاء الحال على ماهو عليه .. الإدارة الرشيدة تحتاج إلى ضمير حى وتحتاج معه إلى وعى لما يدور وحساسية لظروف الناس وإيمان برسالة أن الناس لو أحسن استثمار قدراتهم واكتشفت مواهبهم يستطيعون أن يحققوا المستحيل .. ولدينا دليل حى على ماأل إليه حالنا نتيجة لسوء إدارة "مؤسسة الوطن" من قبل عصابة كبيرة مركزية من تمرست ومارست كل الجرائم مع سبق الإصرار والترصد ولها فروع فى كل محافظات مصر ومؤسساتها وهيئاتها يحتاج الوطن أن يطهر نفسه منهم ويبرئ نفسه من نسبتهم إليه بعد أن أثبت قادة الثورة فى 25 يناير والملايين التى تبعتهم وآزرتهم وجيشهم الذى إنحاز لهم وحماهم وساندهم أنهم هم فقط وليس عصابة الحكام من صلب مصر.


الثورات تنطلق أسرع من الضوء يمتد شعاعها لكل ركن من أركان الوطن بما فى ذلك الخرائب والمغارات والشقوق التى يعيش فيها خفافيش الليل وأفاعى النظام السابق، يختفون عن الأعين التى تحاول أن ترصدهم وتبيدهم ، وطبيعى ألا يقتصر تسونامى الثورة على تغيير النظام ولكنه يهز – وأحيانا يقتلع من الجذور – قلاعا أشادها أباطرة عصر الظلام يتحصنون داخلها مع أتباعهم وذويهم ممن استباحوا ثروات الوطن وخانوا الأمانة وتفننوا فى إذلال الشعب وكسر إرادته.. كان من مصلحتهم فى تخريب متعمد إقصاء أى كفاءة مخلصة تبغى أن تسخر علمها وخبرتها فى خدمة مصر حتى يخلو لهم الجو فى حياكة المؤامرات والتقاتل على المناصب والوصول من الحوارى الخلفية لأعلى المراتب فى وأرفع المناصب فى الدولة .. الخطورة أن أتباع الكبار لايزالون يحتلون مناصبه فى كثير من مؤسسات الدولة الحيوية فى أيديهم أسرارهما ولديهم أتباع يرون فى بقائهم ضمانا لمستقبلهم وأمنهم ، وهم بذلك مستعدون فى أى وقت للإسهام فى أى مؤامرة ينتقمون بها مما حدث لأولياء نعمهم حتى لو كان حرق مصر وإشعال نار الفتنة ووضع البلاد على شفا حرب أهلية طائفية تقضى على كل ماتحقق من أهداف ثورة يناير النبيلة وقد تعيد رؤوس الفساد بصورة أو بأخرى تسللا إلى مناصب يحتلونها تحت لافتات مختلفة تخدع من يتابع نشاطاتهم ويرصد حركتهم.

قارنوا هؤلاء "بخدامين مصر" من أمثال حسب الله الكفراوى الذى كان يبنى للفقراء، ويرفض الفساد ويجاهر برأيه فى وجه الظلم، ويعتبر أرض مصر حرما لايعتدى عليه أقرب المقربين لرأس النظام السابق .. وإبراهيم بدران الذى كان يكشف على الفقراء بالمجان ثم يعطيهم ثمن الدواء من جيبه الخاص .. وممدوح سالم الذى تم فى عهده أنظف وأنزه انتخابات تشريعية فى عهد رئيس فلاح ذكى صاحب رسالة تآمر على قتله من كانوا يخططون لكى تعيش مصر عصر مبارك فينخر السوس فى جذع الوطن نتيجة للغباء السياسى والجهل الإدارى وشهوة السلطة التى تعمى الأبصار والأفئدة .. هاجر من مصر علماء أجلاء ونماذج مشرفة مضيئة تشرف مصر وتحصل لها على التكريم والإحترام والتقدير فى القارات الخمس سدت فى وجوههم كل السبل لكى يسهموا فى تقدم مصر وتحضرها علوما واقتصادا وديموقراطية لأن مثل هذه الكلمات تمثل خطرا داهما على الجهال الذين تحكموا فى مصير الوطن بخطط ظنوا أنها تضمن لهم أبدية الحكم وطول البقاء، ولم يكونوا يعلموا أن الله قد بيت لهم أمرا، وأن شعب مصر يمكن أن يصبر إلى حد الخديعة فى أنه قد استسلم لما يريده الظالمون، ولكنه حين يثور لاتستطيع قوة أن توقف زحفه على قلاع الفساد والظلم مهما كانت حصينة يقتلعها ويقتلع معها أصحابها ويلقى بهم فى مزابل التاريخ.

تلك دعوة للمجلس الأعلى أن يبادر بتغيير كل رموز وذيول وأتباع النظام السابق ممن لايخفى على أحد علاقتهم الوطيدة بالنظام بعناصر وطنية أخرى ليس لها مثل تلك الإنتماءات ، وأن نتيقظ للخطورة التى يمثلها بقاء هؤلاء فى مواقعهم وتأثير ذلك على عملية اتخاذ القرار لمنعه أو تعطيله من خلال المشورة المطللة أو سوء التنفيذ العمدى لما يتم إقراره أو تغذية "الثورة المضادة" بالمعلومات التى تفيدهم أو تحريك العناصر الإجرامية لإنجاز خطط قذرة كانت معدة سلفا لمواجهة أى محاولة للإطاحة بالنظام .. ودعوة لكل مصرى شريف أن يبلغ عن الفساد أينما كان وأن يتصدى لكل مايهدد أمنا مصر من مؤامرات وألا يسكت عما يحاك من مؤامرات تتفجر كل يوم أمام أعيننا .. فى مصر جيوش من "خدام مصر" مستعدون للتضحية بأى شيئ لحماية أمن مصر واستقرارها ، ولو توفرت الإرادة وسرعة اتخاذ القرار لتسابق هؤلاء فى إثبات حبهم وولائهم الوطنى .. فقط دعونا نجرب.

مصر التى كانت

العصابة التي كانت تحكم مصر قبل 25 يناير من أكبر رأس إلي أصغر تابع يلعق أحذية السادة ويعيش علي فضل إحسانهم من ملايين مصر وأرضها وثرواتها يتساقطون الواحد تلو الآخر ويتكشف مع سقوطهم فضائح يندي لها جبين كل وطني مخلص شرب من نيل مصر وأكل من خيرها وعاشر أهلها.. مصر بالشرفاء من أبنائها انتفضت عملاقة كالمعتاد تنفض عن أكتافها عبء حمولة ناءت بها ثلاثة قرون لتلقي بمن خانوا الأمانة تحت أقدام الثوار يدوسونهم ويمرغون وجوههم في الطين ينتظرون حكم القضاء فيهم بعدل الدنيا علي الرغم من أنهم كانوا يحكمون بقوانين خاصة فصلوها لكي تخدم مصالحهم.. قوانين توصل للفساد والمحسوبية والرشوة.. انقلب السحر علي الساحر فإذا بهم يحاكمون بنفس القوانين التي صاغها من تخصصوا في تقنين الفساد وحماية المفسدين، وإذا بمن كانوا يتعاملون معهم علي أنهم عورة يؤذون عيون السادة ببؤسهم ويجرحون أسماعهم بأبسط حقوق الإنسان يستعيدون الوطن من مختطفيه ويحررون الرهائن ويقبضون علي المجرمين ويقدمونهم للعدالة.. لم تعد مصر كما كانت ولن تعود.




كنت قد اقترحت في مقال سابق - من باب التفريج عن النفس والتنفيس عن الغيظ بتصور المستحيل حين يزداد الكرب - أن يضاف إلي قانون العقوبات مادة تسمح بالإفراج عن المحبوسين الآن علي ذمة قضايا الفساد من محبسهم بشرط أن يسيروا في شوارع مصر دون حماية، وراهنت علي أنهم سوف يرفضون مفضلين السجن علي مواجهة الجماهير التي لن تستقبلهم بالقطع بالورود والرياحين كما كانوا يدعون في أجهزة الإعلام الحكومية التابعة لهم وتلقي الجزاء الشعبي الذي يستحقونه عن جرائمهم في حق الشعب الذي ادعوا أنه ولاهم وجاء بهم إلي الحكم ورجاهم أن يظلوا فيه إلي أن يموتوا هم وأولادهم من بعدهم، وربما توقف أحدهم هنا ليسأل: كل تلك الجيوش من الأمن المركزي والحراسات الشخصية والسيارات المصفحة لكي تحميهم من شعب المفروض فيهم أنه يحكمونه؟.. ألم تكن كافية لكي تدلل علي أنهم مكروهون وأنهم محتقرون وأنهم اغتالوا أحلام شعب لا يأمنون علي أنفسهم من انتقامه؟.. ومن ثم فإن إصرارهم - وهم يعلمون ذلك - يكون اغتصاباً للسلطة وانعداماً لشرعية حكم جاء بالتزوير والبلطجة التي أصبحت في عهدهم مهنة رسمية ضمن كوادر حزب الفساد الذي جاءوا منه.. واليوم أضيف مازحاً اقتراحاً آخر بمادة أخري تضاف إلي القانون تسمح بأن يوزع مساجين السلطة نوبتجيات علي أيام الأسبوع المختلفة يستمع كل منهم علي امتداد يوم كامل إلي الخطب التي أعدوها وباركها رئيسهم بوعود براقة كاذبة ومشروعات وهمية وإنجازات ورقية وبشرط أن يسمعها وحده طول النهار ثم يطلب منه في نهاية اليوم أن يكتب تقريراً عن مصير تلك المشروعات والإنجازات وكم صرف باسمها والمستفيدين من ذلك ثم يقرأ هذا التقرير علي باقي سجناء السلطة.. وهكذا.



ولأن فلول حزب الفساد الذين يجيدون التخفي والصمت جبناً وتحسباً مازالت تتخندق في مواقعها انتظاراً لفرص تتاح لكي ينقضوا علي الثورة، ولأن جيوشهم من المماليك والتابعين والخصيان ممن كانوا يتحركون في أي اتجاه بإشارة من أصبع »بهلوان الحزب« فقد أصبح كل مصري الآن مسئولاً عن مراقبة هؤلاء والإبلاغ عنهم والوقوف في وجه أي محاولة منهم أو من »صبيانهم« من جمعيات المنتفعين بالمناصب والأموال للتحرك بثورة مضادة تحرم مصر من نتاج ثورتها وتعود بالزمن إلي الوراء ويضيع دم شهداء أبرار شجعان لم يترددوا لحظة في مواجهة الموت دفاعاً عن شرف مصر وعرضها الذي استباحهما أزلام نظام مبارك.. مئات الألوف من أزلام الحزب الوطني لا يزالون مع الأسف الشديد يديرون مؤسسات الدولة وهيئاتها الحيوية وكانوا أعضاء بارزين في لجان الحزب وكوادره القيادية، وبعضهم في غفلة من الزمن اختير وزيراً في حكومة تسيير الأعمال فازدادوا قرباً من صانع القرار يطلعون علي الأسرار وقد يستخدمونها لخدمة الثورة المضادة التي لا يمكن التشكيك في أنها تعمل تحت الأرض الآن في كل محافظات مصر بالدس والوقيعة بين الشعب والجيش ودق الأسافين لتهديد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بغية الاحتفاظ بالمكاسب أطول فترة ممكنة وتجنب الحساب أو الهرب حين تحين الفرصة ثم الانقضاض علي مكاسب الثورة وعودة الحال إلي ما كان عليه لو أتيحت الظروف التي تمكنهم من ذلك.



أخطر المؤامرات التي تحاك الآن من فلول الوطني هي إنشاء أحزاب سياسية جديدة تحمل الأسماء التي ترتبط في أذهان الثوار ووجدانهم بمعان ثورية تغري الشباب وغيرهم من المصريين بالانضمام إلي هذه الأحزاب دون التدقيق فيمن يقفون خلفها ويشكلون كوادرها ويتيحون بذلك الفرصة لكوادر الحزب المنحل أن يتواجدوا علي الساحة ويتحركوا بحرية ويكتسبوا الوقت اللازم لإجهاض الثورة ومكاسبها علي المدي الطويل.. حجز الحزب في مناورة محسوبة تلك الأسماء بالوزارة المعنية بما له من خبرة وحتي لا يأخذها غيره من الأحزاب فيحتكرها لنفسه يداعب بها أحلام التغيير لدي الناس ويشكل بها أحزابه وبدلاً من حزب واحد كان يحكم مصر كلها ويتحكم في مصيرها سوف يصبح لدي الحزب المنحل - إذا لم ننتبه لما يحدث - أكثر من عشرة أحزاب دفعة واحدة، وسوف يتخفي رموزه داخل مقار جمعيات أهلية موجودة ينضمون لعضويتها أو ينشئونها.. نحن بحاجة إذن إلي شيئين هامين.. يقظة كاملة من كل الناس في أي موقع عمل بمصر لتفويت الفرصة علي فلول حزب الفساد لتجميع صفوفهم والتآمر علي مصر من جديد و»تعقيم« دار الحكم المتمثل الآن في حكومة الدكتور شرف حتي لا يتسلل إليها من يبحث عن دور يبرر به وجوده أو يطمس به معالم فساده أو يطمع في أن يستمر بالحكم بعد انتهاء الفترة الانتقالية لتسيير الأعمال.