فى الهند وزارة للتنمية البشرية آخر انجازاتها كمبيوتر لاتزيد تكلفته عما يوازى خمسين دولارا ويخططون لكى ينخفض السعر إلى خمسة عشر دولارا فقط فى ثلاث سنوات .. وبالتنسيق مع وزارة التعليم عندهم تم توزيع هذا الكمبيوتر على طلاب المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية حتى يشب الطالب وقد اعتاد على استخدام أدوات المعرفة فى البحث والتواصل مع الآخرين .. هم يخططون لإعداد أجيال تعيش ثورة المعلومات وتشارك فيها وتتابع حركتها ، ويستثمرون فى أغلى الموارد وهم البشر بدلا من لطم الخدود من الزيادة السكانية مثلما نفعل .. الصين والكوريتان ودول جنوب شرق آسيا هى الأخرى فهمت قواعد اللعبة واستغلت الكثافة السكانية لديها وحولتها إلى طاقة منتجة تتحقق للسوق المحلى كفايته من السلع والعمالة وتصدر الباقى لكل الدنيا بجودة وأسعار يصعب إن لم يكن من المستحيل منافستها.
فى مصر آن الأوان لكى نعيد تفكيرنا واستراتيجيتنا بخصوص الزيادة السكانية التى تعاملنا معها فيما مضى على أنها عورة ينبغى سترها ، واتخذها النظام ذريعة لتدهور الخدمات ونقص الموارد وألصق بالشعب وزر التخلف فى التعليم والصحة بينما كان رموزه بدءا من رئيس الدولة وعصبة المحيطين به من الأدمغة التى اقتصر جهدها على نهب ثروات مصر إلى أصغر "صبيانهم" ممن لايزالوا يتربعون على رؤوس كثير من مؤسسات الدولى وهيئاتها والتى نحتاج أن نطهرها منهم لكى نسلمها نظيفة لجيل الثورة يعيد هيكلتها ومساراتها وسياساتها بما يحقق أهداف الثورة والأحلام المشروعة للشعب .. أدعو إلى وزارة جديدة تسمى "وزارة التنمية الإنسانية" لكى تكون "عامود الكردان" فيما يختص بكل مايتعلق بتحسين جودة الحياة وعماد تلك الحياة وهو الإنسان وتضع الخطط للإستثمار فى الناس ورفع قدراتهم على التفكير والمشاركة فى الحياة العامة والتنمية المجتمعية وكفاءتهم لزيادة الإنتاج وجودته ، وتعمل بالتكامل مع باقى وزارات الدولة التى تحقق تلك الأهداف مثل التعليم والثقافة والعمل فى منظومة ذات أهداف إستراتيجية واضحة ومجدولة زمنيا.
الوزارة التى أدعو إليها أكبر بكثير من وزارة التنمية الإدارية الملغاة والتى اقتصر دورها على مشروع لم يكتمل رغم ماصرف عليه فى سبع سنوات وهو الحكومة الإلكترونية ، ودورة تدريبية لموظفين من هنا أو هناك يمنحون بعدها شهادات تفيذ حضورهم لتلك الدورات ولاتعنى بالضرورة أنهم قد "تعلموا" شيئا أو أن ماتعلموه يطبق بالفعل فى مكان العمل .. ماأعنيه هو أن الإصلاح المؤسسى لايمكن أن يتحقق دون الإستثمار فيمن يقومون على هذا الإصلاح ومن ينفذون الخطط التى توضع لجعله واقعا .. الناس فى مصر يتكلمون تلك الأيام على القيم الجميلة التى سادت ميدان التحرير وأظهرت المعدن الأصيل النادر للإنسان المصرى من أدب المعاملة والتعاون والعمل الجماعى والتخطيط الجيد والتفكير الجمعى وصلابة الإرادة والإصرار على الإصلاح والنزول إلى الشارع لكى يكون أنظف وأجمل والشجاعة فى مواجهة الخطر والإستعداد له والتكافل الإجتماعى التلقائى وتقديم الدعم والمساندة لكل من يحتاجها فى الشارع وحسن استغلال الموارد المتاحة لتحقيق أعلى عائد .. كل تلك قيم العمل البناء الذى يشكل عمل الوزارة التى أدعو إليها ومهامها مضافا إليها قيم المساواة والفرص المتكافئة لأبناء الوطن دون تفرقة أو وساطة أو فساد فى تطبيق القانون أو الإلتفاف حوله لخدمة طبقة أو فئة أو لتبادل منفعة أو تحقيق كسب.
ظللنا لعقود كثيرة نتحدث عن التنمية البشرية ولم نفعل شيئا ملموسا يترجم مانقول إلى عمل وآن الأوان الآن لكى نفعل ذلك فالوزارة التى أدعو إليها تقوم على محورين أساسيين هما الإدارة الرشيدة أو ماأسميه "الإدارة بالواقع" التى تؤمن بهيكلة العمل وتوصيفه والتخطيط الجيد ومؤهلة لإدارة التغيير المجتمعى الهائل الحادث الآن فى مصر، والموظف المؤهل الكفء القادر على المشاركة والإنجاز لتحقيق الأهداف التى اشترك فى وضعها .. هيئات الدولة كلها بحاجة إلى "مأسسة" وإعادة هيكلة بما يتناسب مع روح العصر فى تقديم الخدمات للمواطنين ومصر مليئة بالشباب المتعلم الواعى المثقف من عينة من خططوا ونفذوا الثورة الشعبية العظيمة التى أعادت مصر إلى موقع القيادة وإلى دورها التاريخى إقليميا وعالميا، ونستطيع أن نختار منهم من يتولى تلك الوزارة ونفتح بذلك الطريق إلى ثورة شاملة فى جودة الحياة فى مصر ونضرب مثلا عمليا فى التأكيد على قيمة الإنسان والحفاظ عليه والكشف عن مواهبه واستغلالها فى بناء مستقبل مصر بعد أن تفننت أجهزة القمع التابعة لنظام مبارك الفاسد أن تكسر إرادته وتذل كرامته.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment