هناك باب صغير يفصل مقر مجلس الوزارة عن أقرب المبانى إليه والتابع له مباشرة .. هذا المبنى نموذج فريد لنوع من الفساد يجسد ماكان عليه الحال فى عهد الرئيس المخلوع، ومسئولية الحكومات المتعاقبة فى عهده وآخرها حكومة نظيف المتهم بإهدار المال العام، وكيف كانت الحكومة والحزب يتعاملان مع مقدرات مصر وثرواتها بأسلوب الإقطاعى الذى يمتلك الأرض ومن عليها خالصة لنفسه واسرته وأقربائه وصحبته المتحلقين حولة .. فساد من نوع فريد يتم بالقانون الذى تم تفصيله لكى يحتمى الفاسدون وأتباعهم به هربا من الحساب والعقاب.
أدعو رئيس الوزراء – بعد أن قرر تعيين المسئول الأول بهذا المبنى وزيرا فى التعديل الأخير – أن يدلف من الباب فى زيارة للمبنى وأن يطلب كشفا رسميا بأسماء من يعملون فى وظائف تنفيذية وإشرافية واستشارية ودرجة قرابتهم لنظيف الذى تخرج من نفس المبنى هو وزوجته الحالية ووزراء حكومته والأسماء المعروفة من قيادات وأعضاء مجلسى الشعب والشورى وأعضاء لجنة السياسات وهيئة المكتب وباقى أبواق حزب الفساد المعروف بالحزب الوطنى .. وأن يطلب من الوزير المعين كشفا بمرتبات ومكافآت كل هؤلاء بما فى ذلك مخصصاته هو نفسه وعدد السيارات التى يستخدمها لنفسه ولأسرته ، وسوف يرى مالاتراه العين ولايخطر على بال بشر من تقنين أوضاع والتحايل على القوانين والإلتفاف حولها لمصلحة النخبة من الذين يمثلون نصف موظفى المبنى البالغ عددهم حوالى 600 موظفا.. ولو سأل سيادته عن طبيعة عمل هذا الكيان بغض النظر عن اللافتة البراقة التى تزين واجهته، فسوف يفاجأ بأنه يمكن بسهولة الإستغناء عنه فى وجود جهاز رسمى كامل للدولة يقوم بنفس العمل وأكثر وتوفير الملايين التى تصرف عليه من خزينة الدولة للإستفادة بها فى إصلاح أحوال فئات الموظفين الذين لايزالون يصرخون من الظلم الواقع عليهم ومثلها من الإعانات والمنح الأجنبية التى يختص بها أصحاب الإمتيازات ممن تحول المركز إلى "مأوى" يضمهم بمعزل عن الدولة وقوانينها.. أما لو أراد سيادته أن يتأكد من مشروعية إنشاء هذا الكيان فسوف يصدم بعدم وجود قرار جمهورى بإنشائه أو تحديد اختصاصاته.
باقى الموظفين – أبناء القطة السوداء – فى هذا المبنى يتلفتون وراءهم لو طلب منهم أحد إبداء آرائهم فيما يحدث فيهم ولهم .. مهددون بالفصل دون تحقيق بكلمة ، وتغلق أمامهم أبواب التظلم أو المطالبة بالحقوق الضائعة حيث يخضعون لنظام تقييم أداء يخضع كله لدرجة ولاء الموظف للنظام ولاعلاقة له بالكفاءة، ولايوجد توصيف وظيفى للعاملين يحدد اختصاصاتهم الوظيفية وكيفية قياسها ومحاسبتهم على تحقيق الأهداف، ولايوجد هياكل تنظيمية تبين شكل كل قطاع وإدارة عامة وإدارة وقسم ووحدة حيث إنشئت جميعا وأطلقت كل تلك المسميات لكى يحتلها المحاسيب فى نطاق تبادل المنفعة من جهة ومكافآت تقدم لمن يخدمون النظام ولايزالون وبنيهم .. المبنى الذى نتحدث عنه به أكثر من مائة مستشارا مابين دبلوماسيين وعسكريين متقاعدين يجلسون بلا عمل وأساتذة جامعات يسند إليهم أحيانا الإشتراك فى مشروعات بأتعاب تفوق بكثير ماهو متعارف عليه فى مثل تلك الأمور من باب تبادل المنفعة.. نموذج مصغر لنظام العمل فى حزب الفساد بكل مؤسساته، وفى أسلوب الإدارة الذى يعتمد على رئيس "وشلة" فاسدة تحيط به تحاصره يسمونها داخل المبنى "عصابة الأربعة" وتحول بينه وبين أى قرار قد يؤثر على سلطاتها ومصالحها.
إطلب ياسيدى من وزيرك الجديد كشفا بأسماء من أرسلوا فى بعثات خارج مصر إما لحضور المؤتمرات – وبعضها لاعلاقة له بنوع العمل - أو للتدريب شهورا أو للحصول على درجات علمية .. ولاغبار على ذلك إذا كان فى إطار الفرص المتساوية، ولكن الأمر قاصر على نفس الأشخاص ، بل إن بعضهم قد سافر أكثر من مرة بمنح وقروض خارجية لزيارة جهات ليست فوق مستوى الشبهات.. الشعب إذن محق تماما فى رفضه للوجوه القديمة من رموز الفساد وكل من كان يعمل معهم وفى خدمتهم للإستفادة من نفوذهم فهؤلاء بالقطع لايصلحون لتقلد المناصب الوزارية لكى يحدثوا التغيير، والأفاعى لاتزال تطل برؤوسها تتحين الفرص لتنفث سمومها وتنقض على الثورة ، ولايزال ذيولها يحتلون أعلى المناصب يديرون دور الإيواء لمصلحة الصفوة .. ولعلك ياسيدى – حفاظا على ماضيك المشرف - تستجيب لإرادة الأمة فتستقيل تاركا للشعب تشكيل الحكومة التى يريد خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر فليس هناك منصب مهما كان يستحق أن يضحى المرء بتاريخه كله لكى يحتفظ به .. كن ياسيدى أول رئيس حكومة عربى ينزل على رغبة الأمة مضحيا بالكرسى وببعض ذيول النظام ممن شاركوا فى نكبة الوطن.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment