Saturday, March 08, 2014

ثورة سرقها الشيوخ


سرت كما سار غيرى خلف شباب 25 يناير ورددت هتافاتهم واختلطت كما اختلط غيرى بهم فى التحرير واحتفلت معهم مثلما احتفل غالبية المصريين حين تحقق الهدف الأسمى من الثورة وهو إسقاط حكم مبارك الذى جثم على صدر مصر لأكثر من ثلاثين عاما إتسمت العشر الأواخر منها بعلانية الفساد والمجاهرة بالإعداد لتوريث الحكم بكل رموزه وانعدام تساوى الفرص بين الناس وتدهور الحالة الإقتصادية وانتشار البطالة بصورة لاتبشر بأى أمل فى مستقبل واعد .. فعلت ذلك وسعدت به ولكنى صارحت كل من يعرفنى وقتها بخوفى من أن ثورة شعبية حقيقية بهذا الحجم والشكل يمكن أن تستمر حتى تتحقق كل مطالبها دون قيادة يلتف حولها الشباب وكوادر ذات خبرة تعمل معهم ولو فى الظل لوضع أهداف استراتيجية ومخطط بإطار زمنى واقعى وعاقل يحقق آمال المصريين فى التغيير إلى الأحسن وبناء مصر الجديدة الحديثة على أنقاض النظام الذى سقط.
دارت الأحداث بتلقائية وعفوية وتداخلت الرؤى وتعددت المطالب وتصارعت المصالح وضاع شباب الثورة بين كل هؤلاء، بل وأصابتهم هم أنفسهم عدوى الخلاف فتحول الإختلاف الطبيعى الذى يثرى أى عمل جماعى إلى تطاحن وتشويه للسمعة وإقصاء .. كنت مؤمنا أن دور الشيوخ ينبغى أن يظل فى خلفية المشهد يقدمون خبرتهم العملية ومشورتهم حين يطلب منهم ذلك  فى الإقتصاد والسياسة والشئون الإجتماعية التى تصاحب الثورات وتحتاج لدراسة وتشخيص وحلول وتحرك دائم ومستمر لايتوقف حتى لاتفقد الثورة قوة الدفع الجبارة التى تولدت بحماس الشباب ومساندة باقى فئات الشعب واحتضانهم لهم .. كنت آمل أن ماتحقق يقترب كثيرا من الحلم ولكن لم يفاجئنى على الإطلاق أن يتسابق كل من كان له يد فى نجاح الثورة أو لم يكن فى غزو الفضائيات يدلى بدلوه فيما يجرى حتى لو كان لايعلم ويضخم دورة ويقزم دور باقى الثوار .. تلقف الإعلام ذلك باعتباره نشاطا مثيرا ينطوى على أخبار تهم الناس حتى وإن كانت غير موثقة، ودارت الآلة الإعلامية الجبارة تجلب مزيدا من الإثارة وتزكى نيران الغيرة بين رفقاء الأمس وسباق إثبات الذات بين الباحثين عن دور.. بدأ دور الثوار الحقيقيين يتضعضع ويتفتت ويتوارى أمام الهجمات الشرسة من جمعيات أصحاب المصالح الذين وجدوا فى التحالفات وسيلة للإستقواء محاولين إحكام قبضتهم على الشارع والإعلام معا.
المشكلة فى كل ماتقدم أن من ظلوا يقدمون أنفسهم ليل نهار على أنهم البديل للقيادة التى غابت عن ثورة يناير كلهم من القيادات التى تصلح لزمن آخر ولى ولايمكن أن يعود الزمن إلى الوراء، وليس لعهد جديد ولا لعصر سريع الإيقاع تحكمه العولمة بمنهجها فى توحيد أسواق العالم فى سوق عالمى كبير، وتجميع أفكار الناس والمعلومات التى تتيحها لهم على موجة واحدة تخدم مصالح الدول الكبرى التى تقدمت تكنولوجيا وامتلكت أسرار ألاعيب السياسة والإقتصاد وأساليب إخضاع الشعوب لرغباتها وجعلها ترقص على إيقاع تتحكم فى سرعته وبطئه طبقا لظروف كل مجتمع تضع أعينها عليه وبما يتناسب مع توقيتاتها لمساندة أو إجهاض أى نشاطات ترى أنها تهدد مصالحها .. لم يجد شيوخ السياسيين بأسا من التعاون مع من يحقق لهم بعضا من تطلعاتهم فى الحكم، ولجأ بعضهم إلى الاعيب الحواة فى احتواء حماس الشباب ورغبتهم الجامحة فى سرعة التغيير فى إئتلافات كثرت بصورة هزلية حتى عدنا لانعرف أسماءها ولا الفارق بينها ، والبعض الآخر ترخص إلى حد التبذل فى عرض نفسه على ساحة المناصب أملا فى أن يرسو عليه المزاد فيخرج من المولد ببعض الحمص .

 اختفى الشباب من المشهد الرسمى واحتل المقاعد الآباء والجدود ممن لايملكون لا لغة الخطاب المناسبة ولا الحلول للمشكلات القائمة ومحرك الثورة يدور دون أن يولد قوة تجر القطار فى الإتجاه الصحيح، وعلى الرغم من ذلك فإن عدد العربات يزيد والركاب يتكاثرون ويتصارعون على الركوب رغم ثقتهم بأن القطار قد لايتحرك لأن الحمولة فاقت بكثير قدرة المحرك على الجر ..!

No comments: