"إيش تعمل الماشطة فى الوش
العكر؟" مثل شعبى جميل يحارب الخداع والنفاق ويكشف الزيف مهما حاول صاحب
الطبع السيئ والسلوك المنحرف أن يخفى حقيقته خلف قناع زائف يبدع فى تجميله
بالمساحيق والأصباغ .. والعكر هنا لادخل لها مطلقا بالوسامة أو الدمامة فتلك خلقة
الله التى لايملك فيها أحد شيئا، ولا دخل لشكل الوجه بروح الإنسان وجاذبيته وحب
الناس له لو كان إنسانا سويا يشاركهم آلامهم وأحزانهم وأفراحهم .. المعنى إذن يعبر
عن مكنون الإنسان الذى يظهر على وجهه فلا يملك السيطرة عليه مهما حاول أن يجمله بالمساحيق .. وطبيعى أن هناك من ينخدع
بالقناع ويصدق مايرى مكتفيا به ولايحاول أن يؤكده بمراقبة من يتعامل معه فى مواقف
مختلفة وعلى امتداد فترة زمنية تكفى للحكم عليه والربط بين ردود أفعاله وسلوكه
الذى يعبر عما يجول بخاطره حتى تكتمل الصورة ويكون الحكم موضوعيا مجردا عن الهوى
وعواطف الكره والحب التى تشوش على العقل فترهقه وتربكه وتمنعه من الوصول إلى
الحقيقة.
ويأخذ تجميل الوجه العكر بالمعنى الذى شرحته أشكالا عده،
ويظهر فى مجالات كثيرة من حياتنا ، ولو غفلنا عنه لأصبحت حياتنا بالتدريج مسخا
شائها لايمت للحقيقة بصلة ، ولعشنا فى عالم مصطنع يتوارى فيه الواقع تدريجيا أمام
الخيال .. السياسيون مثلا هم أكثر الناس حرفية فى إخفاء حقيقة مايشعرون ومايفكرون
فيه، وهم يتلونون حسب المواقف المختلفة ويجيدون مخاطبة الناس بما يحبوا أن يسمعوه
ويسرفون فى وعود يعلمون جيدا أنهم لن يستطيعوا الوفاء بها.. يلعبون على عواطف
الناس ويحركونهم فى الإتجاه الذى يريدون والذى يضمن لهم مكانا مؤثرا مرموقا
ومتميزا يحققون به أحلامهم الشخصية أولا ثم يجودون بالباقى على من أوصلوهم لتلك
المكانة.. وقد يكون السياسى مدفوعا بنوايا طيبة ووطنية مخلصة ويرغب فى الخدمة
العامة، ولكنه دائما يريد أن يصل للكرسى أولا ثم يفكر كيف يحقق ماوعد الناس به ،
وغالبا ماتتغير أولوياته خلال تلك الرحلة فتطغى مصالحه الشخصية على المصلحة العامة
وذلك يفسر الكثير من التحالفات التى تظهر قبل وأثناء وبعد أى انتخابات محتمله فى
أى بلد كان.
وبعض الفنانون يجيدون حرفتهم لدرجة أقناع الناس بما
يقولون ويفعلون أثناء أدائهم لدورهم، ويأتى ذلك من تكرار التدرب على تقمص الشخصيات
على امتداد تاريخهم الفنى ، ولكن من يهزك من الأعماق ويجعلك تتفاعل معه أو معها هو
الفنان الذى يعيش دوره ويؤديه باقتناع أنه هو من يريدك أن تراه وتسمعه فيبكيك
ويضحكك أو على الأقل يجعلك تفكر فيما قال وفعل لوقت طويل بعد أن تشاهده .. الصريخ
والعويل المفتعل هيستريا الضحك والمبالغة فى الحركة والتعبير كلها أدوات يلجأ
إليها الفنان الذى يختفى تحت قناع الحرفية على حساب الأحاسيس الإنسانية التى تشكل
ملامح الشخصية التى يلعبها .. هناك فنانون لازلنا نذكرهم منذ أكثر من نصف قرن،
وبعضهم لم يزد دوره أو دورها عن بضعة دقائق على الشاشة أو المسرح لتلقائيتهم فى
الأداء وإبداعاتهم العفوية أحيانا التى تخرج فى الوقت المناسب والموقف المناسب دون
افتعال .. هؤلاء لم يكونوا يحتاجون لأدوار البطولة المطلقة لكى يحركوا مشاعرنا
وكان يكفيهم أن يعبروا بإخلاص عن الشخصيات التى يتقمصونها فلا تملك إلا أن تتابعهم
بانبهار حين يظهرون.
وحتى فى أوجه الخير والعمل الأهلى هناك من يختفى خلف
قناع البر والتقوى والخدمة العامة وهو أو هى لايؤمن حقيقة بذلك وإنما يحارب لكى
يحقق مكاسب شخصية أو منافع تبقى اللافتات التى يرفعها فى مكانها مصدرا للرزق وتلقى
المعونات والتبرعات والمكانة والإحترام والتبجيل .. هؤلاء من كان الشيخ الشعراوى
يرحمه الله يقول عنهم "فعلت ليقال وقد قيل" أى أنك كنت تفعل ماتفعل ابتغاء
مرضاة الناس وقد عبروا لك عن رضائهم وبذلك تكون قد أخذت حقك ولم يعد لك حق تطالب
به فى الآخرة .. اللهم اجعلنا ممن يبتغون وجه الله فى كل مايفعلون.
No comments:
Post a Comment