فى نهاية كل عام يتسابق المنجمون والفلكيون فى التنبؤ
بما سيحدث فى العالم خلال العام الجديد، معظمهم يلجأ إلى العبارات الفخيمة فارغة
المضمون والتى تتحدث عن كوارث طبيعية هائلة دون تحديد لمكان حدوثها، أو وفاة
شخصيات هامة، أو تغييرات جوهرية فى نظام الكون أو نظم الحكم، بينما الأكثر ذكاء
يستقرئون أحداث العام المنصرم ويبنون على توقعاتهم تنبؤات بما يمكن أن يحدث كنتيجة
منطقية للمقدمات التى حدثت بالفعل .. أما على المستوى الشخصى فتكون التنبؤات فى
عبارة مختصرة تبعث الأمل فى نفس القارئ أو تزغزغه بلطف فى أسلوب حياته وصداقاته
وعلاقاته الإجتماعية.
ويعتمد أصحاب التنبؤات على الناس سوف تنسى بعد حين وأن
أحدا لن يتابع على مدار العام الجديد ماتنبئوا به مثل الفريق الفلانى سوف يصعد
لدور كذا، أو فلان أو علان سوف يرشح نفسه، أو سوف يموت (كلنا سوف نموت ولكنهم
يختارون شخصا بلغ من العمر أرذله وبات على مشارف الموت) ولامانع طبعا من إضافة بعض
التوابل الحريفة للتنبؤات فتمتد إلى العلاقات الحميمية بين المشاهيرأو النزاعات
بينهم فتتحدث عن الزواج والطلاق، أو مجالات العمل التى غالبا لايفقه المنجم فيها
شيئا كالحالة الإقتصادية وأعمال البورصات أو الأفلام أو المسرحيات الجديدة والتى
قد يكون أصحابها قد أعلنوا عنها قبل حين أو سربوا عن قصد أخبارها، ولكن فى كثير من
الأحيان يستخدم الأذكياء من الشخصيات الشهيرة والمثيرة للجدل سلاح التنبؤات لكى
يشيعوا عن أنفسهم وأعمالهم مايحبون تداوله بين الناس لبناء صورة إيجابية جذابة عن
أنفسهم.
والغريب أن للمنجمين والمتنبئين سوقا رائجة فى أجهزة
الإعلام فنجد أن أصحاب البرامج الخفيفة يتصلون بهم ويمنحونهم مساحة فى برامجهم لكى
يتحدثوا عما يحمله العام الجديد من أخبار ساخنة حريفة تثير شهية جمهور تلك البرامج
ويدور حولها الجدل حتى أن أحد مقدمى البرامج فى إحدى القنوات الشهيرة جاء على
الهواء بشخص لم يعلن عن نفسه ولا إسمه ولكنه معروف لمقدم البرنامج واخذ يعلن عن
تنبؤاته فى مستقبل مصر ومن سيحكمها بل وتمادى فى ذلك فتناول نظام الحكم ومؤسساته
بالمرة ومقدم البرنامج مشدوه معجب بقدرة مصدر أخباره المجهول الغامض الذى ادعى على
الهواء أنه سبق وأن تنبؤ بأشياء أخبر بها مقدم البرنامج ولكنه يرفض الإفصاح عن
مصدرها.
فى الخارج برامج متخصصة فى أخبار النجوم والإشاعات
المتداولة عنهم، وهناك كذلك أعمدة متخصصة لكتاب معروفين فى كثير من الصحف ذات
الطابع الشعبى التى لاتعنى كثيرا بالرأى والتحليل، ولكن كل هؤلاء يتصلون إما
بالشخص أو الجهة التى صدرت عنها الشائعة أو من تناولته من أشخاص أو جهات للتحقق
منها وبهذا يجمعون بين متابعة مايتداوله الناس فى حياتهم من أخبار واهتمامات وبين
صحة أو زيف مايقال وتحقيقه .. وطبعا يمكن "التربيط" مع أصحاب تلك
البرامج فى الكيفية التى يؤكد بها الخبر أو ينفى والطريقة التى تقدم صاحبها للرأى
العام لزيادة عدد معجبيه، أو حتى لتشويه صورة خصومه ومنافسيه، وفى هذه الحالة يكون
لكل خدمة تقدم ثمن معروف يسدد إما سرا لصاحب البرنامج الذى يتظاهر بالحياد أو يكون
فى شكل إعلان مدفوع للمحطة نفسها التى يعمل بها مقدم البرنامج الذى سيحاول طول
الوقت ألا يظهر مايقدمه على أنه إعلان.
وهناك جانب نفسى يفسر إقبال الناس على التنبؤات فالإنسان
بطبعه محب للإستطلاعن شغوف باكتشاف الأسرار، بل ويسعى دائما لإثبات أنه محق فيما
يقول ويفعل وينتهز الفرص لكى يتباهى بين أقرانه وأصدقائه بصواب آرائه وحسن بصيرته،
وهذا يفسر كيف أن الإقبال على التنبؤ بأحداث العام الجديد ليس قاصرا على فئة دون
الأخرى .. وكلما كان هدف التنبؤ شخصية
مشهورة كلما كان اهتمام الناس أكبر حيث يصبح الموضوع مادة خصبة لجلسات السمر
والتندر أو التشفى حسب الأحوال.
No comments:
Post a Comment