كلما أردت أن أدلل على التدهور البائس الذى أصاب الحياة فى مصر نتيجة فشل النظام التعليمى فى تخريج "مواطنين صالحين" يتسم سلوكهم بالتحضر والوعى،لا أجد مثلا خيرا من الاستشهاد بالمدرسة الثانوية التى تلقيت فيها ومعى الآلاف من أبناء جيلى تعليمنا قبل الجامعى. حين أفعل ذلك ينظر طلابى إلى بانبهار شديد ولكنى ألمس فى نظرات أعينهم وشبح الابتسامات التى ترتسم على شفاهم عدم تصديقهم الكامل لما أقول وربما ظن مشروع فى أنى قد أكون مبالغا. وابتسم بدورى تعاطفا وإشفاقا على جيل مظلوم لم يختر أن يكون نتاجا لنظام تعليمى فاسد تغلغل إلى عقل الأمة وكيانها فأضعف أجهزة المناعة لديها حتى أصبح من السهل اختراقها تربية وأخلاقا وعلما فصرنا إلى ماصرنا إليه من ضعف وهوان وإحباط وتأخر. ويحضرنى هنا حادث طريف : كنت أزور جامعة الإقليم التى أساعدها تطوعا بحكم الانتماء استجابة لدعوة كريمة لكى أحدث قيادات الجامعة وأعضاء هيئة التدريس بها فى موضوع خاص بتطوير الجامعة . وقام نائب رئيس الجامعة – وهو من جيلى - يقدمنى كما هى العادة فإذا به يذكر ضمن مؤهلاتى " ... أنى خريج مدرسة ... الثانوية". ضحك الحاضرون جميعا وأنا منهم ، ولكنها تظل عبارة ذات مغزى يعلى من قيمة التعليم المميز الذى حظينا به منذ مايقرب من نصف قرن من الزمان.
المدرسة التى أحكى عنها مدرسة حكومية ورثتها ثورة يوليو المجيدة من العهد الملكى الفاسد (إذا كان ذلك فسادا كما أسموه فماذا نطلق على مانعيشه اليوم ؟) ، ولذا كانت تسمى "بالأميرية" (لم تكن موضة إطلاق أسماء كل من هب ودب على المدارس والجامعات والشوارع قد تفشت بعد ، ولم تكن حملات النفاق العام قد تعاظمت بهذا الشكل المزرى) بعد إسم عاصمة "المديرية" الموجودة بها، أى المحافظة بلغة هذه الأيام. كانت مدرسة حكومية مجانية بلا أية مصروفات (كانت مقولة طه حسين العظيم بأن التعليم كالماء والهواء لازالت تطبق). وأؤكد على هذا المعنى لأن ماسأصفه الآن من مزايا كان يحصل عليها الطالب لم ولن تصل إليه أرقى مدرسة خاصة فى مصر الآن . هذه المدرسة المجانية التى أحكى عنها كانت مصنعا للرجال . تخرج فيها عدد كبير من عظماء مصر وعلمائها وفنانيها وسياسييها ملأوا الحياة فى مصر إبداعات وصالوا وجالوا فى دروب الحياة ولايزال البعض منهم – أطال الله فى أعمارهم وبارك لهم فيها – يحملون المشاعل ويسهمون بنفس الحماس فى تنوير المجتمع والأخذ بيده لإقالته من عثراته الممتالية على يد الحكومات التى تعاقبت على خراب مصر، وأزعم أن غيرها من المدارس الأميرية فى ذاك الزمان كانت تقوم بنفس الدور. كانت "التربية والتعليم" ثقافة مجتمعية وقسمة بين البيت والمدرسة فلا تعليم بغير تربية ولاتربية بغير تعليم . جيلى يعلم أنى صادق في الأمثلة التى سوف أسردها هنا ، أما الأجيال الجديدة التى لم تر غير الهوان الذى تعيشه فيما يطلق عليه تجاوزا مدارس فلهم كل العذر أن يظنوا بنا الظنون وألا يصدقوا ماندعيه وأن يسبق الشك اليقين فيما يعتبر بالنسبة لهم أحلاما مستحيلة المنال :
· هذه المدرسة المجانية كانت تسلمنا الكتب الدراسية مجانا، وكانت تقدم لنا وجبة غذائية متكاملة يوميا فى "ميس المدرسة" ، وكان بها قسما داخليا للطلاب العرب الوافدين والذين كانوا يفخرون بأنهم يتعلمون فى مدارس مصر وجامعاتها. ولم يكن هؤلاء الطلاب يتمتعون بمجانية التعليم فقط وإنما كانت الحكومة المصرية تصرف لهم رواتبا شهرية تعينهم على الحياة (كانت الدول العربية لاتزال تتلقى المعونات المادية والفنية من مصر). ناظر المدرسة كان "بك" حقيقى وله سكن خاص بالمدرسة عبارة عن فيلا بحديقة صغيرة (أكرر فيلا بحديقة صغيرة) وحينما رحت أزور محافظا صديقا بعد خمسة وثلاثون عاما أخذنى فى جولة لمعالم المدينة التى شهدت بدايات حياتى واحتضنت أحلامى اكتشفت أن الفيلا قد احتلها موظفون تابعون للحزب الوطنى وحولوها إلى مكاتب ، وأن منطقة الملاعب التى كانت تقريبا بحجم المدرسة قد قام عليها مساكن شعبية عشوائية قميئة وبالغة القبح.
· كان لدينا إذاعة مدرسية تعمل مبكرا قبل طابور الصباح الذى كان فرضا لايتأخر عن موعده دقيقة واحدة ويعد مثلا فى الانضباط والإلتزام ويتم التفتيش فيه على نظافة الطلاب وكذلك الحرص على سماع كلمة قصيرة من ناظر المدرسة أو أحد مدرسى اللغة العربية تتضمن التأكيد على الفضائل والقيم والمثل وبر الوالدين والحفاظ على مبادئ التعاون والتواد والتراحم فى المجتمع . ويسير الطلاب فى طوابير منتظمة حتى فصولهم بالأدوار الثلاثة للمدرسة وأمام كل فصل مدرس الحصة الأولى . وكان لكل فصل مجلته الخاصة التى يحررها الطلاب ، إلى جانب مجلة المدرسة التى تصدر فى نهاية العام الدراسى ويشترك فى تحريرها الأساتذة وتتصدرها كلمة ناظر المدرسة ، وتخصص الجوائز لأحسن مجلة فصل ولأنظف فصل. بالإضافة إلى ذلك كان بكل فصل مكتبة صغيرة يتولى أمانتها أحد الطلاب ويسمح لطلاب الفصل باستعارة الكتب لعدة أيام وإعادتها واستعارة غيرها وهكذا.
· هل يبدو ذلك كما لو كان يوتوبيا مثالية من صنع الخيال ؟ هناك ماهو أكثر من ذلك : كان هناك حفلا سنويا للمدرسة يدعى فيه أولياء الأمور وقيادات الإقليم والوزارة ، وكان برامج الحفل يتضمن تمثيلا وإلقاء لقصائد الشعر وعزفا على الآلات الموسيقية المختلفة (لم نكن نؤجرها بل كانت متوافرة بالمدرسة) ويشرف أحد الأساتذة على إعداد الحفل وفقراته . وكان الأساتذة يشاركوننا العزف : الأستاذ روبير مدرس اللغة الفرنسية على آلة الأوكورديون ، والأستاذ سند مدرس الرياضيات على العود ، والأستاذ أحمد السيد مدرس اللغة العربية يخرج المسرحية التى ستقدم ، وآخر يصحح الكلمات التى سيلقيها ممثل الطلاب على المسرح بينما العديد من أساتذة اللغة العربية شعراء يلقون قصائدهم فى مثل تلك الحفلات ويحظون بالتصفيق والمديح من كل الحضور . كان هناك حصص للرسم والفنون والهوايات التى ينضم إلى فرقها الطلاب طبقا لميولهم دون إجبار. وكان لدينا معامل مجهزة نجرى فيها التجارب ونصنع فيها الجبن والحلوى فى حصص الهوايات.
· المدرسة كانت تمثل مجالا ثقافيا مبهرا ، والمدرسون كانوا يلعبون دور "الكشافين" للمواهب، فهناك جمعيات مختلفة للخطابة ، ومعارض للرسم والأعمال الفنية التى يبدعها الطلاب ، وأمناء للفصول يحافظون على النظام بالفصل حتى حضور مدرس المادة ، وهناك أمناء لمكتبات الفصول كما تقدم ، بالإضافة إلى مكتبة المدرسة العامة والتى كان أمينها أحد مدرسى اللغات بالمدرسة. الإذاعة المدرسية يتولاها أفصح الطلاب لسانا وبلاغة فى موضوعات التعبير، ورسومات وتبويب مجلات الفصول ومجلة المدرسة أحسننا إتقانا وإبداعا لفن الرسم والكاريكاتير.
· الفرصة كانت متاحة أمام المواهب لكى يكتبوا ويقرضوا الشعر ويلونوا مجلات الحائط . كان المدرسون قدوة نعجب بهم ونخشاهم ونهابهم ونتمنى أن نكون مثلهم شكلا وسلوكا، ويوم ضبطنى أحدهم أقلده أمام الفصل قبل حضوره شهدت المدرسة والمنزل عواصف وزلازل وأشكالا من العقاب لردع الطالب – الذى هو نحن – عن معاودة التفكير ولو بحسن نية فى أن يسخر من أستاذه . الدروس الخاصة كانت عارا يسم من يتعاطاها بالغباء والجهل ، وإذا كان ولابد منها لتعويض تقصير فى تحصيل الطالب فلابد من تدخل ناظر المدرسة لدى أستاذ المادة لكى يقبل مساعدة الطالب ومساعدته على النجاح.كان لدينا منطقة ملاعب بحجم المدرسة وفى موقع مواجه لها، وتدهش إذا علمت أنه كان لدينا فرق لرياضات لاتحلم أى مدرسة أو جامعة فى مصر حاليا بأن يكون لديها مثلها: أعنى الهوكى والسباحة إلى جانب الرياضات التقليدية مثل ألعاب القوى وكرة القدم والملاكمة والمصارعة. كنا حين نحصل على المنطقة أو الجمهورية نكافأ بنصف جنيه كامل لكل منا كان كافيا أيامها لسندوتش كباب وزجاجة مياه غازية حجم كبير وتذكرة سينما وقد يبقى بضعة قروش نوفرها لشراء الصحيفة أو المجلة التى نحبها.
إذا كانت حكاية مدرستى تجسد حالة وطن بالكامل والتدهور الحاصل به نتيجة لسوء التعليم فإن النظام التعليمى كله فى مصر بحاجة إلى "تنكيس" لكى يعاد بناؤه من جديد بأساسات متينة تتحمل صروح التعليم الشامخة لكى تكون مصانعا لرجال يتسلحون بالعلم ولديهم الإرادة فى بناء مصر المستقبل، أما عمليات "الترقيع" وبناء العشش على السطوح، واستخدام الدعامات لتسند جدران التعليم فيبقى الشكل من الخارج ويحدث الإنهيار الكامل لامحالة بعد حين . والنظام التعليمى فى مصر بحاجة إلى خبراء فى التعليم وليس مهندسون للتنظيم والمرافق . مالم يحدث ذلك وبسرعة سوف نحتاج إلى قرن كامل من الزمان لكى نعود إلى نقطة البداية ويكون العالم المتقدم حولنا قد سبقنا بألف سنة على الأقل .
المدرسة التى أحكى عنها مدرسة حكومية ورثتها ثورة يوليو المجيدة من العهد الملكى الفاسد (إذا كان ذلك فسادا كما أسموه فماذا نطلق على مانعيشه اليوم ؟) ، ولذا كانت تسمى "بالأميرية" (لم تكن موضة إطلاق أسماء كل من هب ودب على المدارس والجامعات والشوارع قد تفشت بعد ، ولم تكن حملات النفاق العام قد تعاظمت بهذا الشكل المزرى) بعد إسم عاصمة "المديرية" الموجودة بها، أى المحافظة بلغة هذه الأيام. كانت مدرسة حكومية مجانية بلا أية مصروفات (كانت مقولة طه حسين العظيم بأن التعليم كالماء والهواء لازالت تطبق). وأؤكد على هذا المعنى لأن ماسأصفه الآن من مزايا كان يحصل عليها الطالب لم ولن تصل إليه أرقى مدرسة خاصة فى مصر الآن . هذه المدرسة المجانية التى أحكى عنها كانت مصنعا للرجال . تخرج فيها عدد كبير من عظماء مصر وعلمائها وفنانيها وسياسييها ملأوا الحياة فى مصر إبداعات وصالوا وجالوا فى دروب الحياة ولايزال البعض منهم – أطال الله فى أعمارهم وبارك لهم فيها – يحملون المشاعل ويسهمون بنفس الحماس فى تنوير المجتمع والأخذ بيده لإقالته من عثراته الممتالية على يد الحكومات التى تعاقبت على خراب مصر، وأزعم أن غيرها من المدارس الأميرية فى ذاك الزمان كانت تقوم بنفس الدور. كانت "التربية والتعليم" ثقافة مجتمعية وقسمة بين البيت والمدرسة فلا تعليم بغير تربية ولاتربية بغير تعليم . جيلى يعلم أنى صادق في الأمثلة التى سوف أسردها هنا ، أما الأجيال الجديدة التى لم تر غير الهوان الذى تعيشه فيما يطلق عليه تجاوزا مدارس فلهم كل العذر أن يظنوا بنا الظنون وألا يصدقوا ماندعيه وأن يسبق الشك اليقين فيما يعتبر بالنسبة لهم أحلاما مستحيلة المنال :
· هذه المدرسة المجانية كانت تسلمنا الكتب الدراسية مجانا، وكانت تقدم لنا وجبة غذائية متكاملة يوميا فى "ميس المدرسة" ، وكان بها قسما داخليا للطلاب العرب الوافدين والذين كانوا يفخرون بأنهم يتعلمون فى مدارس مصر وجامعاتها. ولم يكن هؤلاء الطلاب يتمتعون بمجانية التعليم فقط وإنما كانت الحكومة المصرية تصرف لهم رواتبا شهرية تعينهم على الحياة (كانت الدول العربية لاتزال تتلقى المعونات المادية والفنية من مصر). ناظر المدرسة كان "بك" حقيقى وله سكن خاص بالمدرسة عبارة عن فيلا بحديقة صغيرة (أكرر فيلا بحديقة صغيرة) وحينما رحت أزور محافظا صديقا بعد خمسة وثلاثون عاما أخذنى فى جولة لمعالم المدينة التى شهدت بدايات حياتى واحتضنت أحلامى اكتشفت أن الفيلا قد احتلها موظفون تابعون للحزب الوطنى وحولوها إلى مكاتب ، وأن منطقة الملاعب التى كانت تقريبا بحجم المدرسة قد قام عليها مساكن شعبية عشوائية قميئة وبالغة القبح.
· كان لدينا إذاعة مدرسية تعمل مبكرا قبل طابور الصباح الذى كان فرضا لايتأخر عن موعده دقيقة واحدة ويعد مثلا فى الانضباط والإلتزام ويتم التفتيش فيه على نظافة الطلاب وكذلك الحرص على سماع كلمة قصيرة من ناظر المدرسة أو أحد مدرسى اللغة العربية تتضمن التأكيد على الفضائل والقيم والمثل وبر الوالدين والحفاظ على مبادئ التعاون والتواد والتراحم فى المجتمع . ويسير الطلاب فى طوابير منتظمة حتى فصولهم بالأدوار الثلاثة للمدرسة وأمام كل فصل مدرس الحصة الأولى . وكان لكل فصل مجلته الخاصة التى يحررها الطلاب ، إلى جانب مجلة المدرسة التى تصدر فى نهاية العام الدراسى ويشترك فى تحريرها الأساتذة وتتصدرها كلمة ناظر المدرسة ، وتخصص الجوائز لأحسن مجلة فصل ولأنظف فصل. بالإضافة إلى ذلك كان بكل فصل مكتبة صغيرة يتولى أمانتها أحد الطلاب ويسمح لطلاب الفصل باستعارة الكتب لعدة أيام وإعادتها واستعارة غيرها وهكذا.
· هل يبدو ذلك كما لو كان يوتوبيا مثالية من صنع الخيال ؟ هناك ماهو أكثر من ذلك : كان هناك حفلا سنويا للمدرسة يدعى فيه أولياء الأمور وقيادات الإقليم والوزارة ، وكان برامج الحفل يتضمن تمثيلا وإلقاء لقصائد الشعر وعزفا على الآلات الموسيقية المختلفة (لم نكن نؤجرها بل كانت متوافرة بالمدرسة) ويشرف أحد الأساتذة على إعداد الحفل وفقراته . وكان الأساتذة يشاركوننا العزف : الأستاذ روبير مدرس اللغة الفرنسية على آلة الأوكورديون ، والأستاذ سند مدرس الرياضيات على العود ، والأستاذ أحمد السيد مدرس اللغة العربية يخرج المسرحية التى ستقدم ، وآخر يصحح الكلمات التى سيلقيها ممثل الطلاب على المسرح بينما العديد من أساتذة اللغة العربية شعراء يلقون قصائدهم فى مثل تلك الحفلات ويحظون بالتصفيق والمديح من كل الحضور . كان هناك حصص للرسم والفنون والهوايات التى ينضم إلى فرقها الطلاب طبقا لميولهم دون إجبار. وكان لدينا معامل مجهزة نجرى فيها التجارب ونصنع فيها الجبن والحلوى فى حصص الهوايات.
· المدرسة كانت تمثل مجالا ثقافيا مبهرا ، والمدرسون كانوا يلعبون دور "الكشافين" للمواهب، فهناك جمعيات مختلفة للخطابة ، ومعارض للرسم والأعمال الفنية التى يبدعها الطلاب ، وأمناء للفصول يحافظون على النظام بالفصل حتى حضور مدرس المادة ، وهناك أمناء لمكتبات الفصول كما تقدم ، بالإضافة إلى مكتبة المدرسة العامة والتى كان أمينها أحد مدرسى اللغات بالمدرسة. الإذاعة المدرسية يتولاها أفصح الطلاب لسانا وبلاغة فى موضوعات التعبير، ورسومات وتبويب مجلات الفصول ومجلة المدرسة أحسننا إتقانا وإبداعا لفن الرسم والكاريكاتير.
· الفرصة كانت متاحة أمام المواهب لكى يكتبوا ويقرضوا الشعر ويلونوا مجلات الحائط . كان المدرسون قدوة نعجب بهم ونخشاهم ونهابهم ونتمنى أن نكون مثلهم شكلا وسلوكا، ويوم ضبطنى أحدهم أقلده أمام الفصل قبل حضوره شهدت المدرسة والمنزل عواصف وزلازل وأشكالا من العقاب لردع الطالب – الذى هو نحن – عن معاودة التفكير ولو بحسن نية فى أن يسخر من أستاذه . الدروس الخاصة كانت عارا يسم من يتعاطاها بالغباء والجهل ، وإذا كان ولابد منها لتعويض تقصير فى تحصيل الطالب فلابد من تدخل ناظر المدرسة لدى أستاذ المادة لكى يقبل مساعدة الطالب ومساعدته على النجاح.كان لدينا منطقة ملاعب بحجم المدرسة وفى موقع مواجه لها، وتدهش إذا علمت أنه كان لدينا فرق لرياضات لاتحلم أى مدرسة أو جامعة فى مصر حاليا بأن يكون لديها مثلها: أعنى الهوكى والسباحة إلى جانب الرياضات التقليدية مثل ألعاب القوى وكرة القدم والملاكمة والمصارعة. كنا حين نحصل على المنطقة أو الجمهورية نكافأ بنصف جنيه كامل لكل منا كان كافيا أيامها لسندوتش كباب وزجاجة مياه غازية حجم كبير وتذكرة سينما وقد يبقى بضعة قروش نوفرها لشراء الصحيفة أو المجلة التى نحبها.
إذا كانت حكاية مدرستى تجسد حالة وطن بالكامل والتدهور الحاصل به نتيجة لسوء التعليم فإن النظام التعليمى كله فى مصر بحاجة إلى "تنكيس" لكى يعاد بناؤه من جديد بأساسات متينة تتحمل صروح التعليم الشامخة لكى تكون مصانعا لرجال يتسلحون بالعلم ولديهم الإرادة فى بناء مصر المستقبل، أما عمليات "الترقيع" وبناء العشش على السطوح، واستخدام الدعامات لتسند جدران التعليم فيبقى الشكل من الخارج ويحدث الإنهيار الكامل لامحالة بعد حين . والنظام التعليمى فى مصر بحاجة إلى خبراء فى التعليم وليس مهندسون للتنظيم والمرافق . مالم يحدث ذلك وبسرعة سوف نحتاج إلى قرن كامل من الزمان لكى نعود إلى نقطة البداية ويكون العالم المتقدم حولنا قد سبقنا بألف سنة على الأقل .
No comments:
Post a Comment