Monday, August 08, 2011

دليل المدير الذكى فى صنع الولاء

الولاء من الكلمات الغامضة فى علم الإدارة، وهناك بالطبع اجتهادات عدة فى تعريفه ولكن أحدا منها فى نظرى لم ينجح فى نقل المعنى بدقة تكفى لفهمة واستيعابه، والولاء درجات أعلاها مرتبة وأكثرها سموا الولاء للوطن .. لذلك فربما كان من الأوفق هنا بدلا من أن نجتهد بدورنا فى شرح المعنى المجرد للكلمة أن نقرب معناها من خلال مواقف يتجلى فيها معنى الولاء في سلوك أبلغ من أى شرح .. أقول ذلك ومصر تمر بمنعطف تاريخى سوف يخصص له فصل كامل فى كتاب التاريخ يكتبه جيل الثورة ، ولذلك فهى أحوج ماتكون اليوم إلى أن يترجم أبناءها وفاءهم وولاءهم لها إلى سلوك يجسد بوضوح كل معانى اللهفة على مصير الوطن ، وحق أبنائه فى مستقبل يعيد له مكانه ومكانته التى تليق به بين الأمم .. ولطالما حاولت أن أقرب تلك المعانى لطلابى بالأمثلة التى عشتها من خلال تجارب عمر أفنيته فى نشر رسالة آمنت بها إلى حد اليقين بأن الناس هم من يقررون مصير الأوطان التى يعيشون فيها وجودة الحياة فى تلك الأوطان ، وأن الإستثمار فى الناس هو أفضل استثمار يدر أعلى عائد يستمر لإجيال ويتحول إلى خبرات متراكمة لو أحسن استغلالها لأصبحت ضمانا – وربما الضمان الوحيد – لتقدم الدول ونهضتها.. سوف أضرب اليوم مثلين يترجمان معنى الولاء عمليا ويقربان مفهومه فى مواقف وسلوك وليس مجرد معان مجردة وإيحاءات فلسفية قد لاتقترب بقدر كاف من المضمون ، أحدهما عشته وشاركت فيه والآخر أستورده من اليابان التى لاتزال تعتبر رمزا متفردا فى الجودة والإنتماء الوطنى والتفانى فى العمل عقيدة وسلوكا:


• حين أنشئت المجتمعات الجديدة فى عهد الوزير حسب الله الكفراوى، كان لى شرف أن أكون أول مصرى يتولى منصبا رفيعا فى إحدى الشركات الدولية التى قررت بناء مصانعها فى مدينة 6 إكتوبر فى منتصف عام 85 .. كان الوزير متلهفا على تعمير المدينة حتى قبل أن يكتمل وصول الخدمات إليها، وكنا مشغولين ببحث الوسائل التى تضمن لعمالنا وموظفينا استقرارا وحياة كريمة وولاء للشركة على المدى الطويل.. إلتقينا مع الوزير الذى شرح لنا أن الموقف يقترب كثيرا من معضلة "البيضة الأول ولا الفرخة" الناس لاتريد أن تشترى الوحدات السكنية التى تم بناؤها قبل وصول الخدمات إلى المدينة لبعدها عن العمران فى ذلك الوقت فلا مدارس ولا مستشفيات ولا محال لبيع الخبز والخضار، والحكم المحلى لايريد أن يصرف الميزانية المخصصة له قبل تعمير المدينة ولو جزئيا .. كان ولابد من إتخاذ قرارات شجاعة جريئة من جانب إدارة الشركة تحقق أهدافها الإستراتيجية المعلنة فى العناية بموظفيها، ومن ثم عرضنا على الوزير أن نعرض عددا من الوحدات السكنية للتمليك لعمال وموظفى الشركة بشروط ميسرة على ان تقوم الشركة بسداد مقدم الثمن قرضا حسنا وتتولى تحصيل الأقساط خصما من رواتبهم شهريا وتوريدها لجهاز المدينة .. فعلنا ذلك بدافع المسئولية الإجتماعية تجاه الموظفين والمجتمع ككل، وأصبح المشروع نموذجا اقتدت به كثير من الشركات التى بدأت نشاطها بالمدينة بعد ذلك .. هل استفدنا من تلك المبادرة؟ نعم، أكثر من استفادة: وفرت الشركة أكثر من 80% من أسطول الأتوبيسات الذى كان ينقل الموظفين من وإلى العمل يوميا من كل أنحاء القاهرة، وحين شب حريق فى مصانع الشركة أثناء عطلة نهاية الأسبوع كان العمال المقيمين بجوار المصانع أول من بادر بالتصدى للنيران قبل وصول عربات الإطفاء .. لم يكن التحدى الذى واجهناه هو إطفاء النيران بقدر محاولاتنا اليائسة للحفاظ على أرواح العمال الذين كانوا يقتحمون النيران وإبعادهم عن مواطن الخطر وترك الأمر لقوات الإطفاء لكى تقوم بعملها .. هل هناك تجسيد للولاء أكثر من ذلك؟

• المثال الآخر من اليابان حيث نظام التقاعد نظام عجيب يؤكد على قيمة الإنسان وأهمية استغلال طاقاته حتى "آخر نفس" قبل أن يودع الحياة .. اليابانى الذى يخدم فى أى موقع لأكثر من 34 عاما متصلة يحق له أن يتقاعد دون أن يفقد مليما واحد من مجموع ماكان يتقاضاه أثناء عمله، ويخير بين التقاعد أو الإستمرار فى الذهاب إلى العمل تطوعا كاستشارى يلجأ إليه العاملين لعرض مايعترضهم من مشكلات تصادفهم فى أعمالهم .. أكثر من 85% من المتقاعدين يفضلون الإستمرار فى الذهاب إلى أعمالهم كالمعتاد بدلا من البقاء فى منازلهم بغير عمل، ولكن الأهم من ذلك ماحدث أخيرا من أن مجموعة من المتقاعدين المسنين قرروا التطوع للذهاب إلى فوكوشيما ( موقع كارثة التسرب الإشعاعى الذى أصاب أحد المفاعلات النووية ويهدد بكارثة عالمية ) لكى يساعدوا العمال والمهندسين الذين لايزالون بالموقع يجرون الإصلاحات اللآزمة من موقع المسئولية غير عابئين بما يتعرضون له من أخطار .. فلسفتهم فى ذلك هو الحفاظ على الثروة البشرية من الشباب من المهندسين لكى يبنوا مستقبل اليابان .. أحد هؤلاء المتقاعدين بالمناسبة سوف يذهب ليغنى للعاملين بالموقع وتحيزهم على العمل وتحمل الأخطار لأنه لايجيد شيئا آخر .. ولاتعليق !



No comments: