أتاحت لى تجربة حياة عشتها متنقلا بين بلاد كثيرة فى ظروف عمل متنوعة أن أشهد مواقف وسلوكيات تترجم عمليا مستوى إيمان والتزام من تعاملت معهم بحسن الأخلاق، وتعلمت أن أغوص فى تحت السطح أكتشف الجذور التى شكلت ذلك الإيمان وترجمته إلى سلوك ونمط فى التعامل.. كنن فى مرحلة الشباب مثاليين لدينا مقاييس ثابتة للصواب والخطأ، والفضيلة والرذيلة، والأخلاقى واللاأخلاقى ، ولكنى كلما ازددت خبرة واحتكاكا بالناس كلما زاد فهمى للدوافع التى تعلمت أن أفسر على ضوئها أى قرار أتخذه أو يتخذه غيرى ممن أتعامل معهم ، اكتملت ألوان الطيف الأخلاقى فلم تعد تقتصر على الأبيض والأسود فقط بل درجات لمساحات رمادية إزدادت معها حيرتى وازداد معها نهمى لفهم وتفسير ماأفعله ومايحدث أمامى .. ومن هنا تربت حساسية الوعى لكل مايدور حولى أعايشه وأتعلم منه لكى تزداد حيرتى فى النهاية من أشياء كانت قديما من المحظورات وكان مجرد التفكير فيها يولد إحساسا بالذنب والقلق والأرق، أصبحت اليوم سلوكا عاديا لايستنكره أحد وربما يحميه القانون .. تغيرت الدنيا وتغير معها أشياء كثيرة تطرح أسئلة أكثر مثل : هل الإلتزام بالقانون يعنى أن سلوكنا اصبح أخلاقيا؟ أم أن الإلتزام بالقانون هو الحد الأدنى للإلتزام الأخلاقى الذى يفوق ذلك بكثير؟
والسؤال الأهم الآن هو: هل التمسك "بأخلاقيات العمل" موقف ينشأ من فراغ بقرار من القائمين على أمر المؤسسة ومن ثم يصبح مقدمة لما يأتى بعده، أم أنه نتيجة لعوامل كثيرة تسهم فى تشكيل هذا السلوك وتحوله إلى نمط أخلاقى يصبح ملازما للإنسان فى كافة تعاملاته ؟ سؤال يبدو سهلا فى الطرح ولكنه منتهى التعقيد فى التطبيق العملى كما سنرى من خلال الأمثلة التى سوف نطرحها تباعا .. بمعنى آخر من أين تبدأ التربية الأخلاقية للفرد وغرس القيم والمبادئ الأساسية التى تشكل وجدانه الأخلاقى وتحكم نظرته وتؤثر على إدراكه لما يدور حوله ومن ثم ردود فعله تجاهه ؟ هل فى البيت أم المدرسة أم بيئة العمل أم كل تلك المؤثرات معا؟ وإذا كان ذلك صحيحا فأيها صاحب التأثير الأكبر على موقف الفرد من الحياة ككل ومدى مرونته فى تقبل مايخالف قيمه ومبادئه ومعتقداته؟ ولعل هذا السؤال الأخير بالذات هو أهم الأسئلة التى سوف نتعرض لها لاحقا حيث يمثل الخطوط الحمراء التى يضعها كل منا لنفسه ولايسمح لها بتجاوزها والمناطق الأخرى التى يسهل اختراقها، ومنطقة ثالثة تتغير مع الزمن ليحل محلها قيم ومبادئ أخرى "معدلة" ترتبط ىفى الذهن بتحقيق مصالح خاصة أو عامة حسب الأحوال.
ولابد أن يبرز هنا موقع الضمير ودوره فى القيام بدور "الموجه" الداخلى الذاتى لسلوك الفرد، والرقيب على إلتزامه بما يعلنه أمام الناس ويمارسه سلوكا مرئيا ملموسا، وهل الضمير سلطة تفوق سلطة القوانين التى تنظم الإلتزام بالحد الأدنى لأخلاقيات العمل وتعاقب على الخروج عليها، وماإذا كان هذا العقاب رادعا بما يكفى لضمان الإلتزام الأخلاقى، ومانوع الصراع الذى يحدث حينما يفاجئ الفرد بمواقف تتعارض مايؤمن به، والتضحيات التى يقدمها لو إختار محاربتها، ومثلها تماما لو آثر السكوت عليها جلبا لمنفعة أو حرصا على مال أو جاه؟ الضمير الذى يمثل السلطة العليا على الذات والذى لو لم يكن متوافرا فإن الفرد يصبح بلا حصانة ويخضع طائعا أو مجبرا على الإستجابة لما حوله من مغريات .. ولعل ماعانته مصر خلال الثلاثين عاما الماضية من مظاهر الفساد والتفنن فى أساليب الإغواء والإفساد سوف يظل مصدرا خصبا غير مسبوق للباحثين فى الأخلاقيات بوجه عام "وأخلاقيات العمل" بوجه خاص تترجم بدقة كل المعانى التى تدور حول معنى كلمة Ethos اليونانية التى اشتقت منها كلمة "أخلاقيات" والتى تتراوح بين العادة أو الشخصية أو وسائل الإستخدام ، والتى استمدت منها قواعد الفلسفة الأخلاقية وعلم الأخلاق الذى يبحث فى تكوين وسمات الشخصية الإنسانية المثالية والواجب الأخلاقى الذى تتسم به.
كنا ونحن صغارا يلقنوننا صفات الكشاف الجيد ، وكان معنى قبولنا فى فريق الكشافة واستمرارنا فيه وإسناد المزيد من الواجبات إلينا يعنى أننا نتمتع بتلك الصفات التى لازلت أذكر بعضها مثل الشجاعة والثقة والوفاء والأدب والصدق والإحترام وحسن التدبير والتفاؤل، وكنا نحاول جاهدين أن نترجم كل ذلك سلوكا يميزنا عن غيرنا من الناس ويمنحنا فخرا وكبرياء يجعلنا نحس أننا أطول قامة واعظم قدرا .. وحين أقارن ذلك بنتيجة بحث أجراه أخيرا معهد "جالوب" الشهير لاستقصاءات الرأى وتوصل فيه إلى أن 17% فقط من العملاء الأمريكيين – بكل مالديهم من قوانين صارمة تحمى المستهلك - يعتقدون أن التنفيذيين فى الشركات التى يتعاملون معها يتمسكون بأخلاقيات العمل بصورة كبيرة فإنى استطيع أن أتصور حجم المشكلة التى تتتفاقم وتزداد تعقيدا فى ظل غياب الإلتزام بأخلاقيات العمل وغياب القوانين الرادعة التى تعاقب على ذلك حماية للأسواق وفوق هذا وذاك الرقابة الشعبية الجادة والمنظمة للمجتمع المدنى .. ثلاثة أسئلة بسيطة اعتمد عليها الإستفتاء وقادت إلى تلك النتيجة هى: هلى تدهور مستوى أخلاقيات العمل من وجهة نظرك؟ وهل زاد تناول أجهزة الإعلام للمشكلة؟ وأخيرا، هل أصبحت بعض الممارسات الإجتماعية التى كانت مقبولة فيما مضى مقبولة الآن؟ ومن هنا نبدأ رحلتنا مع هذا الموضوع الهام.
والسؤال الأهم الآن هو: هل التمسك "بأخلاقيات العمل" موقف ينشأ من فراغ بقرار من القائمين على أمر المؤسسة ومن ثم يصبح مقدمة لما يأتى بعده، أم أنه نتيجة لعوامل كثيرة تسهم فى تشكيل هذا السلوك وتحوله إلى نمط أخلاقى يصبح ملازما للإنسان فى كافة تعاملاته ؟ سؤال يبدو سهلا فى الطرح ولكنه منتهى التعقيد فى التطبيق العملى كما سنرى من خلال الأمثلة التى سوف نطرحها تباعا .. بمعنى آخر من أين تبدأ التربية الأخلاقية للفرد وغرس القيم والمبادئ الأساسية التى تشكل وجدانه الأخلاقى وتحكم نظرته وتؤثر على إدراكه لما يدور حوله ومن ثم ردود فعله تجاهه ؟ هل فى البيت أم المدرسة أم بيئة العمل أم كل تلك المؤثرات معا؟ وإذا كان ذلك صحيحا فأيها صاحب التأثير الأكبر على موقف الفرد من الحياة ككل ومدى مرونته فى تقبل مايخالف قيمه ومبادئه ومعتقداته؟ ولعل هذا السؤال الأخير بالذات هو أهم الأسئلة التى سوف نتعرض لها لاحقا حيث يمثل الخطوط الحمراء التى يضعها كل منا لنفسه ولايسمح لها بتجاوزها والمناطق الأخرى التى يسهل اختراقها، ومنطقة ثالثة تتغير مع الزمن ليحل محلها قيم ومبادئ أخرى "معدلة" ترتبط ىفى الذهن بتحقيق مصالح خاصة أو عامة حسب الأحوال.
ولابد أن يبرز هنا موقع الضمير ودوره فى القيام بدور "الموجه" الداخلى الذاتى لسلوك الفرد، والرقيب على إلتزامه بما يعلنه أمام الناس ويمارسه سلوكا مرئيا ملموسا، وهل الضمير سلطة تفوق سلطة القوانين التى تنظم الإلتزام بالحد الأدنى لأخلاقيات العمل وتعاقب على الخروج عليها، وماإذا كان هذا العقاب رادعا بما يكفى لضمان الإلتزام الأخلاقى، ومانوع الصراع الذى يحدث حينما يفاجئ الفرد بمواقف تتعارض مايؤمن به، والتضحيات التى يقدمها لو إختار محاربتها، ومثلها تماما لو آثر السكوت عليها جلبا لمنفعة أو حرصا على مال أو جاه؟ الضمير الذى يمثل السلطة العليا على الذات والذى لو لم يكن متوافرا فإن الفرد يصبح بلا حصانة ويخضع طائعا أو مجبرا على الإستجابة لما حوله من مغريات .. ولعل ماعانته مصر خلال الثلاثين عاما الماضية من مظاهر الفساد والتفنن فى أساليب الإغواء والإفساد سوف يظل مصدرا خصبا غير مسبوق للباحثين فى الأخلاقيات بوجه عام "وأخلاقيات العمل" بوجه خاص تترجم بدقة كل المعانى التى تدور حول معنى كلمة Ethos اليونانية التى اشتقت منها كلمة "أخلاقيات" والتى تتراوح بين العادة أو الشخصية أو وسائل الإستخدام ، والتى استمدت منها قواعد الفلسفة الأخلاقية وعلم الأخلاق الذى يبحث فى تكوين وسمات الشخصية الإنسانية المثالية والواجب الأخلاقى الذى تتسم به.
كنا ونحن صغارا يلقنوننا صفات الكشاف الجيد ، وكان معنى قبولنا فى فريق الكشافة واستمرارنا فيه وإسناد المزيد من الواجبات إلينا يعنى أننا نتمتع بتلك الصفات التى لازلت أذكر بعضها مثل الشجاعة والثقة والوفاء والأدب والصدق والإحترام وحسن التدبير والتفاؤل، وكنا نحاول جاهدين أن نترجم كل ذلك سلوكا يميزنا عن غيرنا من الناس ويمنحنا فخرا وكبرياء يجعلنا نحس أننا أطول قامة واعظم قدرا .. وحين أقارن ذلك بنتيجة بحث أجراه أخيرا معهد "جالوب" الشهير لاستقصاءات الرأى وتوصل فيه إلى أن 17% فقط من العملاء الأمريكيين – بكل مالديهم من قوانين صارمة تحمى المستهلك - يعتقدون أن التنفيذيين فى الشركات التى يتعاملون معها يتمسكون بأخلاقيات العمل بصورة كبيرة فإنى استطيع أن أتصور حجم المشكلة التى تتتفاقم وتزداد تعقيدا فى ظل غياب الإلتزام بأخلاقيات العمل وغياب القوانين الرادعة التى تعاقب على ذلك حماية للأسواق وفوق هذا وذاك الرقابة الشعبية الجادة والمنظمة للمجتمع المدنى .. ثلاثة أسئلة بسيطة اعتمد عليها الإستفتاء وقادت إلى تلك النتيجة هى: هلى تدهور مستوى أخلاقيات العمل من وجهة نظرك؟ وهل زاد تناول أجهزة الإعلام للمشكلة؟ وأخيرا، هل أصبحت بعض الممارسات الإجتماعية التى كانت مقبولة فيما مضى مقبولة الآن؟ ومن هنا نبدأ رحلتنا مع هذا الموضوع الهام.
No comments:
Post a Comment