لاتقدم
دون استثمار فى الناس
منذ عام 2003 وتقارير
التنمية الإنسانية فى العالم العربى تشدد على ضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا وبين
الغرب وأوروبا بل ودول جنوب شرق آسيا ومعها القارة الهندية تحتاج الفجوة المعرفية بالعالم
العربى إلى الكثير من الوقت لتضيقها. على الرغم من أن العالم العربى يأتى فى مرتبة
أعلى من العديد من الدول منها الصين، الهند، فيتنام، ودول أوروبا الشرقية، وبعض دول
أمريكا اللاتينية، مازالت هناك الكثير من المشكلات الضخمة التى تلوح فى الأفق. ففى
العالم العربى 35% من سكانه تحت 15 سنة، والذى يعنى أنه بحلول 2020 سيحتاج إلى ما يقدر
بـ100 مليون فرصة عمل. فإذا لم يحقق العالم العربى التغييرات المطلوبة بصورة سريعة،
سوف تكون هناك صعوبات جمة لمواجهة تلك المشكلات، التى تعوق من فرص النهوض ومواكبة الدول
الأخرى. وفى الوقت الذى يتسم فيه التقدم العالمى فى المجالات العلمية والتكنولوجية
بالثبات، بدأ العالم العربى فى الاستثمار، بشكل بطىء فى تلك المجالات.
وعلى الرغم من أن
الإنفاق العربى على البحث العلمى والتطوير قد حقق زيادة فى الإنفاق على مجالى العلوم
والتكنولوجيا يتمثل فى بعض المبادرات التى تهدف إلى تحقيق بعض التقدم فى هذين المجالين،
منها التعهد الجزائرى بتخصيص 1.5 بليون دولار لزيادة ميزانية البحث العلمى والتقدم
التكنولوجى، كما أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم
التى تهدف إلى بناء مجتمع يقوم على المعرفة. كذلك هناك مبادرة الملك عبدالله فى السعودية
لإنشاء جامعة الثقافة والعلوم ورعاية المتفوقين وتقديم المنح العلمية لهم، ولكن هذه
المبادرات سوف تحتاج إلى بعض الوقت لكى تُؤتى ثمارها. ولقد نادى بعض العلماء بإنشاء
مؤسسة علمية عربية رفيعة المستوى تعنى بالبحث العلمى مستغلة الإمكانات الهائلة المتوافرة
لإنجاح ذلك المشروع الإقليمى العالمى بل إن البعض ينادى منذ عام الثلاثينيات من القرن
الماضى بأن يركز العرب فى بحوثهم وإنشاء قواعدهم العلمية على المهارات التى تميزهم
تاريخيا عن باقى دول العالم مثل الأنشطة الاقتصادية والتجارية والشئون المالية والأعمال
البنكية وأوجه النشاط الإنسانى والخدمة المجتمعية مثل فانيفار بوش أستاذ الهندسة الكهربية
بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد من شاركوا فى تطوير لغة التعرف الذكى على النصوص
الذى أحدث ثورة فى استخدام شبكة المعلومات العنكبوتية (www Professor Vannevar Bush, MIT) ، وكذلك
نادى العالم المصرى أحمد زويل بإنشاء جامعة للعلوم والتكنولوجيا فى مصر، وكانت دولة
قطر رائدة فى هذا المجال بإنشائها مدينة للعلوم واجتذابها لأشهر وأعرق الجامعات الغربية
والأوروبية إلى أرضها لتقديم خدمة تعليمية لطلابها وطلاب العالم العربى كله على نفس
المستوى الرفيع التى تقدمه تلك الجامعات فى بلادها
كذلك فإن الحكومات
العربية تنفق تقريبا 5% من ناتجها الإجمالى على التعليم (70 مليون طالب فى مراحل التعليم
المختلفة، أى نصف عدد السكان تقريبا) بدون نتائج مرضية، فزيادة عدد الأطفال بالمدارس
والمصادر التعليمية لم تنعكس فى تدريب المدرسين وسياسات تعليمية. وفى الوقت الذى يُنفق
فيه المال الكثير على التعليم العالى يتخرج الطلاب فى الجامعات بقدرات لا تتناسب مع
سوق العمل. فالجامعات وأصحاب العمل يخفقون فى التواصل فيما بينهم حول احتياجات سوق
العمل، والباحثين عن العمل فى المستقبل سيواجهون مشكلات لإيجاد وظائف بالمنطقة التى
تناسب قدراتهم. وهناك اتجاه بالدول الخليجية النفطية الغنية لأن تكون أكثر استثمارا
فى مجالات التكنولوجيا والعلوم والتعليم العالى، ولكن هناك تحديات جمة تُواجه تطوير
تلك المجالات فى الدول الغير نفطية لتناقص المال اللازم لإنفاقه على تطوير وتحديث تلك
المجالات. وعلى الرغم من تلك التحديات فإن الدول النفطية وتلك غير النفطية حققت تقدما،
حيث زادت عدد الدوريات العلمية، التى ارتفعت بنسبة 18% من عام 2000 إلى عام 2004.
وتحتاج ثقافة المعرفة
هى الأخرى إلى المزيد من الاهتمام. وثقافة المعرفة تعنى توافر ثقافة تُقدر الابتكارات
والإبداعات والاستكشافات العلمية، ومن ثم لابد من وجود تعاون بين الحكومات ومنظمات
المجتمع المدنى والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام والمثقفين والمواطنين لتحقيق مثل
تلك الثقافة. وعلى الرغم من الجهود العربية فى هذا المجال، مثل مبادرة ترجمة الكتب
الأجنبية إلى العربية، مازالت تلك الخطوات لا تحقق ما هو مرجو منها لارتفاع نسبة الأمية
بالعالم العربى. ويظهر ذلك جليا فى المعدل المتدنى لإصدار الكتب والقراءة والترجمة
فى العالم العربى مقارنة مع الدول الأخرى طبقا لتقرير اليونسكو وتقرير التنمية البشرية،
حيث نجد أن اليابان تترجم ما يوازى 30 مليون صفحة سنويا فى حين أن ما يترجم فى العالم
العربى كله لا يزيد على خُمس ما يترجم فى اليونان، بل إن إجمالى ما تم ترجمته بالعالم
العربى كله منذ عصر المأمون لا يزيد على عشرة آلاف كتاب وهو ما تترجمه إسبانيا وحدها
فى عام. وطبيعى بعد ذلك ألا نقرأ بالقدر الكافى مثلما يقرأ الأوروبيون (متوسط ما يقرأه
الأوروبى 35 كتابا فى السنة، بينما يقرأ كل 80 عربيا كتابا واحدا فى السنة). وحتى منتصف
الثمانينيات من القرن الماضى كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربى على مدى خمس
سنوات هو 4.4 كتاب، أى أقل من كتاب واحد لكل مليون عربى فى السنة بينما فى هنجاريا
كان الرقم 519 وفى إسبانيا 920. ويفسر ذلك التساؤل حول عدم زيادة عدد النسخ المطبوعة
لأى كتاب عن ألف نسخة وفى بعض الحالات 5000 نسخة إذا كان المؤلف ذائع الصيت بينما يتجاوز
أى إصدار فى الغرب خمسين ألف نسخة (تقارير التنمية الإنسانية فى العالم العربى
3003 – 2008)
لقد ساهمت الحضارة
العربية والإسلامية مساهمات فعالة وبالغة القيمة فى تقدم الحضارة الإنسانية وعلوم الحياة
فى الرياضيات والفلك والطب، ويجمع المؤرخون على أنه حتى القرن الثانى عشر كان العلماء
العرب والمسلمين يقودون نهضة التجريب والبحث العلمى فى العالم. ومن المؤسف أن يتدهور
الوضع الآن بحيث لا يزيد عدد البحوث العربية المنشورة فى مطبوعات علمية محكمة ومرموقة
على أقل من 1% ولا يزيد عدد براءات الاختراع فى العالم العربى ما بين عام 1980 وعام
2000 على 370 براءة اختراع، بينما يبلغ عدد براءات الاختراع فى نفس المدة فى كوريا
التى لا يزيد عدد سكانها على عُشر سكان العالم العربى 16.000. ولابد
هنا من أن نذكر أن واحدا من كل عشرين طالبا على مستوى العالم العربى يختارون التخصص
العلمى فى الجامعات التى يدرسون بها لأن المستقبل الذى ينتظرهم بعد التخرج يتناقض تماما
مع توقعاتهم، ولكننا على الرغم من ذلك نجد أن بعض البلدان العربية مثل لبنان قد بلغ
عدد خريجى الكليات العلمية من النساء بها ما يقرب من 48% وهى نفس النسبة بالولايات
المتحدة الأمريكية، وتزيد تلك النسبة فى بلدان عربية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة
والكويت وقطر وعمان، وذلك على الرغم من أن فرص المساواة مع الرجل فى تقلد المناصب العلمية
لايزال يحكمه قيم وعادات ثقافية تجذرت فى المجتمع وتحتاج إلى المراجعة